من الصحافة الإيرانية: لماذا يتكرر اغتيال القضاة في إيران؟

«مقتل قاضٍ» عبارة من المفترض أن تُحدث صدمة عند ورودها في الأخبار، غير أن تكرارها خلال السنوات الأخيرة في الشارع الإيراني غيّر من وقعها.

ميدل ايست نيوز: «مقتل قاضٍ» عبارة من المفترض أن تُحدث صدمة عند ورودها في الأخبار، غير أن تكرارها خلال السنوات الأخيرة في الشارع الإيراني غيّر من وقعها. يوم أمس الثلاثاء، ورد خبر يفيد بأن القاضي إحسان باقري، رئيس الشعبة 102 الجزائية الثانية في شيراز، قد تعرض لهجوم من قبل أشخاص مجهولين أثناء خروجه من مكان عمله، وقد فقد حياته على إثر هذا العمل الإرهابي.

وقال موقع رويداد 24 في تقرير له، إن أول سؤال يتبادر إلى الذهن بعد قراءة هذا الخبر هو: لماذا تشهد إيران في السنوات الأخيرة تزايداً في حوادث قتل القضاة؟ خاصة وأنه قبل عدة أشهر فقط، تم اغتيال قاضيين بارزين في البلاد، هما القاضي مقيسه والقاضي رازيني. في تلك القضية، ورغم أن الحديث عن ارتباط القاتل بجماعة «مجاهدي خلق» بدأ منذ اليوم الأول، إلا أن فرضية الدافع الشخصي ظلت قيد التداول لفترة.

لكن قضية قاضي شيراز تختلف إلى حدٍّ ما، إذ لا ترتبط بخلفيات سياسية، ما يجعل السؤال «لماذا يُقتل القضاة؟» أكثر إلحاحاً.

وفي هذا السياق، كتب الحقوقي كامبيز نوروزي في مقاله المنشور اليوم بصحيفة «شرق» مشيراً إلى تزايد حالات قتل القضاة في السنوات الأخيرة: «خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة، قُتل نحو عشرة قضاة في إيران، وقد ارتبطت أغلب هذه الجرائم بوظائفهم القضائية. كما وقعت عدة محاولات اغتيال أخرى باءت بالفشل».

وحول أسباب هذه الجرائم، كتب نوروزي: «الجريمة هي السبيل الذي يختاره المجرم لحل مشكلته، ويتأثر هذا الاختيار بشخصيته الفردية وبالوضع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في المجتمع. فعندما يكون المجتمع مولِّداً للجريمة، فإن أشخاصاً أكثر، وبشخصيات مختلفة، يُدفعون نحو ارتكابها».

وأضاف: «من يقدم على قتل قاضٍ يعتقد أن ذلك القاضي لم ينصفه، ولكن قبل ذلك بوقت طويل، يكون قد تراكم لديه قدر كبير من الغضب والحقد نتيجة مشاكل أو مظالم متراكمة. أمله، وإن كان واهماً، كان معقوداً على أن يحصل على حقه في المحكمة، ولكن هذا لم يتحقق، فتتفجر مشاعره كدملٍ صديدي متسخ. وفي نظره، القاضي هو الجاني».

وقال نوروزي: «تُمدّ يد الانتقام إلى زناد سلاح ناري أو إلى قبضة سلاح أبيض وتقتل. هو قاتل، ويستحق عقوبة القتل، ولكن مقدمة هذه الجريمة ليست في الطرف الخصم ولا في القاضي المغدور، بل تكمن في الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشديدة الاختلال والتمييز، التي تصنع العنف وتنشره. تلك الأوضاع التي خلقت فوضى واضطراباً عميقاً إلى حد أن اتخاذ قرارات إجرامية بات سهلاً، حتى عندما يتعلق الأمر بجريمة قتل قاضٍ».

وأكمل الحقوقي الإيراني: «الصفحة الأخيرة في ملف مقتل قاضٍ، كغيره من قضايا القتل، هي حكم القصاص. لكن الصفحات الأخرى لهذا الملف، والتي لا تُذكر أبداً في ملفات القتل أو غيرها من الجرائم، هي تلك الأوضاع التي صنعت الجريمة ودَفعت شخصاً ما إلى ارتكابها. المجتمع هو من يضع السلاح في يد القاتل؛ المجتمع الذي تُقر فيه السياسات والقوانين والبرامج المولّدة للجريمة وتُنفذ في غفلة، في غياب الإدراك أو في رفضه. المجتمع الذي يربّي مخلوقات كالنمل الأبيض ولا يدرك كيف أن سياساته الاقتصادية والثقافية تؤدي إلى دفع الناس المستضعفين نحو السلوكيات الإجرامية».

واختتم بالقول: «كما أن المجتمع المدني، من جامعيين وصحفيين وكتّاب ومتحدثين، لهم مطالب متعددة في كل شيء، لكن المجتمع لا يتحدث عن كيف أن نمل الجريمة ينخر كل مكان، حتى أرجل طاولة القاضي، ولا يحاول إيقاظ الحاكم الغافل ولا يطالبه بإصلاح القوانين والسياسات والبرامج، ولا بالقضاء على الفساد، لمنع اتساع وانتشار الجريمة المفزعة في البلاد. أوقفوا تربية النمل الأبيض».

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 − اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى