من الصحافة الإيرانية: ما مدى جدية الخلاف بين ترامب ونتنياهو؟

لم تُظهر التصريحات الرسمية للمسؤولين الأمريكيين بشأن محتوى الاتفاق المحتمل مع إيران أي مؤشرات على وجود خلافات جوهرية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.

ميدل ايست نيوز: أفادت وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية في الآونة الأخيرة بوجود تقارير عديدة تشير إلى خلافات عميقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. تتمحور هذه الخلافات حول الحرب في قطاع غزة ومحتوى الاتفاق المحتمل مع إيران. وبحسب هذه التقارير، فإن المحادثات الهاتفية بين ترامب ونتنياهو تتسم أحيانًا بالحدة والتحدي والمجادلة، على الرغم من أن المصادر الرسمية في كلا البلدين غالبًا ما تنكر وجود مثل هذه الخلافات، ولا يمكن استنتاجها بسهولة من التصريحات الرسمية.

في التصريحات الرسمية، يؤكد قادة الحكومة الأمريكية باستمرار دعمهم الكامل لإسرائيل، بينما يصف المسؤولون الإسرائيليون دعم إدارة ترامب بـ”غير المسبوق” مقارنة بأي إدارة أمريكية سابقة. ومع ذلك، قد تكون تصريحات وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية، كريستي نوم، مؤشرًا على وجود بعض التباينات بين ترامب ونتنياهو. فبعد زيارتها الأخيرة لإسرائيل، أعلنت أنها نقلت “رسالة واضحة جدًا” من ترامب إلى نتنياهو.

تتمثل هذه “الرسالة الواضحة” في طلب ترامب الملح من نتنياهو للتوافق معه بشأن مسار المفاوضات النووية مع إيران وأهمية التوحد بينهما. وبحسب نوم، أكد ترامب لنتنياهو أنه “لن يقبل أبدًا بإيران نووية” ولن يسمح لها بالحصول على أسلحة أو قدرات نووية. وأشار إلى أن الولايات المتحدة تشارك إسرائيل المعلومات الأمنية حول إيران، وأن هذا التبادل يُعد أساسًا لمحادثاتهما الاستراتيجية. وأضاف أن الرئيس الأمريكي يسعى للسلام، ولكن بشرط ألا تصل إيران إلى القدرة النووية.

كما يرغب ترامب في أن يكون رئيس الوزراء نتنياهو متماشيًا ومنسجمًا مع هذه السياسة. ومن فحوى تصريحات وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية، يُفهم أن نتنياهو يشعر بالقلق من “السرية” التي تحيط بمفاوضات فريق ترامب مع إيران، ويخشى من احتمال توقيع ترامب اتفاقًا مع الجمهورية الإسلامية دون موافقة إسرائيل. لكن ترامب طمأن نتنياهو في “رسالته الواضحة” بأنه لا ينوي إخفاء أي شيء عن إسرائيل أو “تجاوز” حكومتها، وبالتالي لا ينبغي لنتنياهو أن يُفسد مسار المفاوضات بدافع الخوف.

حتى الآن، لم تُظهر التصريحات الرسمية للمسؤولين الأمريكيين بشأن محتوى الاتفاق المحتمل مع إيران أي مؤشرات على وجود خلافات جوهرية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي. وبينما قد تكون هناك اختلافات تكتيكية بين الجانبين، يبدو من غير المرجح أن توافق إدارة ترامب على اتفاق مع إيران تعتبره الأوساط اليمينية في إسرائيل “اتفاقًا سيئًا”.

وينطبق هذا الأمر أيضًا على الوضع في قطاع غزة. فكل ما صدر حتى الآن عن المسؤولين في إدارة ترامب بشأن شروط إنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن ومستقبل حماس ومصير المناطق الفلسطينية، يتماشى مع مواقف أعضاء حكومة نتنياهو، أو حتى يتجاوزها في الصرامة. بعبارة أخرى، يرسم الطرفان رؤية موحدة لمستقبل المناطق الفلسطينية، وتبدو خلافاتهما في هذا الشأن ضئيلة وغير ذات أهمية تُذكر.

في الأشهر والأسابيع الأخيرة، كان التصريح الإيجابي الوحيد الذي أدلى به ترامب بشأن سكان غزة هو الإشارة إلى تدهور أوضاعهم المعيشية ومعاناتهم من الجوع. ومع ذلك، يرى ترامب أن الحل لإنقاذ سكان غزة من الجوع والبؤس يكمن في خروجهم من المنطقة أو ضرورة تعزيز “مؤسسة غزة الإنسانية” لتقديم المساعدات لهم. وتُعد “مؤسسة غزة الإنسانية” منظمة خاضعة لسيطرة الولايات المتحدة وإسرائيل، وقد تم تأسيسها مؤخرًا كبديل لـ”الأونروا”.

وأعلنت حكومة نتنياهو أن نشاط وكالة “الأونروا” في الأراضي الفلسطينية غير قانوني، متهمةً إياها بالتعاون مع حماس، دون أن تسمح بعمل مؤسسة دولية بديلة. وفي المقابل، قامت الولايات المتحدة وإسرائيل بإنشاء مؤسسة لتوزيع المواد الغذائية بين سكان قطاع غزة، والتي، من وجهة نظر مسؤولي الأمم المتحدة، تفتقر إلى الحيادية اللازمة، وتؤدي طريقة تقديم مساعداتها إلى تحركات سكانية داخل القطاع. ففي الواقع، ركزت “مؤسسة غزة الإنسانية” توزيع المواد الغذائية المحدود في جنوب القطاع، مما أجبر سكان المناطق الشمالية على مغادرة خيامهم والتوجه إلى الجنوب للحصول على الغذاء.

تُعد إدارة ترامب الداعم الرئيسي لهذه المؤسسة، وتسعى لجذب المساعدات المالية من الدول العربية لصالحها.

في مجالات أخرى تتعلق بالقضية الفلسطينية، لا يبدو الوضع أفضل. فعلى سبيل المثال، أطلقت إسرائيل على يومي 25 و26 مايو اسم “يوم القدس”، واعتبرتهما عطلة رسمية للاحتفال باحتلال الجزء الشرقي والعربي من القدس خلال حرب يونيو 1967، تحت شعار “إعادة توحيد العاصمة الأبدية لإسرائيل”.

في “يوم القدس”، يقوم اليهود المتطرفون عادةً بمسيرات في المناطق العربية من القدس ويتجمعون في ساحة المسجد الأقصى، مرددين شعارات عنصرية ويتصرفون بشكل هستيري. هذا العام، وبمناسبة “يوم القدس”، قدم مايك هاكبي، سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، إشادة حماسية باحتلال القدس الشرقية خلال حرب يونيو، لم تقل حدة عن مواقف إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، زعماء الأحزاب اليمينية المتطرفة “قوة يهودية” و”الصهيونية الدينية”. وفي ظل هذه الظروف، فإن التقارير اليومية التي تتحدث عن خلافات بين ترامب ونتنياهو، إذا لم تكن بهدف التسلية، فهي في الغالب جوفاء وتفتقر إلى المضمون الحقيقي.

أحمد زید آبادي
صحفي ومحلل في الشؤون السياسية

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
ميدل ايست نيوز
المصدر
هم میهن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى