أطعمة رخيصة… وأرواح مهددة: تصاعد القلق من الغذاء غير الآمن في إيران وسط أزمة اقتصادية
تُثير الإعلانات التي تقدمها بعض محال الأطعمة الجاهزة تساؤلات حول جودة المكونات المستخدمة، بما في ذلك إمكانية استخدام منكهات صناعية ومواد مضافة غير مصرّح بها.

ميدل ايست نيوز: أدى الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية في إيران، لا سيما أطعمة المطاعم، إلى إثارة مخاوف الإيرانيين بشأن احتمال لجوء بعض مطاعم الوجبات منخفضة التكلفة في المدن الإيرانية إلى استخدام مكونات غير صحية أو منتهية الصلاحية.
وتُثير الإعلانات التي تقدمها بعض محال الأطعمة الجاهزة، حيث تُعرض وجبات بأسعار تقلّ عن ربع الأسعار المعتادة في المطاعم الأخرى، تساؤلات حول جودة المكونات المستخدمة، بما في ذلك إمكانية استخدام منكهات صناعية ومواد مضافة غير مصرّح بها. وتشير تقارير صحية إلى أن هذه الممارسات قد تكون أحد العوامل المساهمة في ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض متعددة في البلاد.
وتتضمن قائمة الأمراض المزمنة التي يشير إليها الأطباء ومنظمة الصحة الإيرانية والعالمية ارتفاع ضغط الدم وداء السكري والكبد الدهني والسمنة، وهي أمراض تشكّل عوامل خطر رئيسية للإصابة بأمراض القلب والسرطان. وقد حذرت الأوساط الطبية مراراً في السنوات الأخيرة من تنامي الإقبال على الأطعمة السريعة في إيران.
وتشير دراسات إلى أن الاستخدام المفرط للزيوت المشبعة والمعاد استخدامها أكثر من مرة، فضلاً عن الإضافات مثل الملح والمنكهات غير المعروفة، ساهم بشكل مباشر في زيادة معدلات السمنة وارتفاع ضغط الدم والكوليسترول في إيران.
ويؤكد اختصاصيون في التغذية أن أحد المخاطر التي تفاقم قلق الرأي العام هو اعتماد بعض المحال على مواد غذائية لا تفي بالحد الأدنى من المعايير الصحية.
وقد أدى غياب الرقابة الكافية على محال بيع الأغذية في المدن الإيرانية، إلى جانب تكرار فضائح تتعلق باستخدام لحوم فاسدة، إلى تصاعد التساؤلات حول أسباب تقاعس الجهات الرقابية عن اتخاذ إجراءات حازمة.
كشف المستور
خلال الأشهر الماضية، تداول الإيرانيون عدة فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر مطاعم وأماكن بيع أغذية تستخدم لحوماً فاسدة أو بقايا طعام لإعداد وجبات جديدة.
كما أثيرت انتقادات بشأن بعض المنشآت في البلاد التي تُنتج منتجات بروتينية خارج الإشراف الصحي، ثم توردها إلى المطاعم دون المرور بمراحل رقابة معتمدة.
وفي تصريح أدلى به رئيس نقابة مطاعم الكباب والأطعمة التقليدية في طهران، حسين محمدي، في مارس المنصرم، قال إن بيع وجبة كباب بسعر يقل عن 100 ألف تومان يمثل تهديداً مباشراً لصحة المستهلك، مشيراً إلى أن بعض المطاعم تستخدم مواد رديئة ونكهات غير قانونية، مثل صبغة الزعفران الصناعية، لتخفيض الأسعار.
ويشير الأطباء إلى وجود صلة وثيقة بين زيادة هذه الأطعمة غير الصحية وتنامي معدلات الإصابة بالسرطان وأمراض مزمنة أخرى، وهو ما يعزز الفرضيات حول تأثير النظام الغذائي السيئ على الصحة العامة.
وفي مايو 2024، حذّرت نائبة رئيس مكتب مكافحة الأمراض غير السارية بوزارة الصحة الإيرانية من أن ثلث الإيرانيين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، مشيرة إلى أن السبب الأبرز هو الاستهلاك المفرط للملح والسكر.
وتُظهر الإحصاءات المتعلقة بداء السكري أيضاً ارتفاعاً في عدد الإصابات، حتى بين الفئات العمرية الشابة، وهو ما يستدعي مراجعة جادة للأنماط الغذائية. ويُعتبر هذا المرض من بين أكثر الأمراض تأثراً بنوعية الغذاء والمكونات الرديئة، إذ وصلت نسبته بين البالغين إلى 14.2%، متجاوزة المعدل العالمي.
ولا تقتصر المخاوف الصحية على الأمراض المزمنة فقط، بل تمتد إلى ازدياد حالات الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان، والتي يُرجعها بعض الأطباء إلى استهلاك أطعمة تحتوي على إضافات غير مرخصة.
وأعلن جعفر جندقي، المدير العام لمركز إدارة الأمراض غير السارية بوزارة الصحة الإيرانية، في شهر مارس الجاري أنه يتم تشخيص حوالي 390 حالة سرطان جديدة يوميًا (أي 142,350 حالة سنويًا) في البلاد. كما ذكر أن عدد الوفيات اليومية بسبب السرطان هو 216 حالة، مما يعني أن العدد السنوي للوفيات يصل إلى 79 ألف حالة.
وتزداد المخاوف حين نلاحظ أن أغلب حالات السرطان تتعلق بالجهاز الهضمي، مثل القولون والمعدة والكبد، إلى جانب تزايد حالات الأورام الكلوية، وهو ما يعزز فرضية الارتباط بين التغذية والمرض.
الزراعة الكيميائية وانعدام الرقابة
تُضاف إلى هذه المشكلات مسألة استخدام مبيدات وأسمدة زراعية من قبل المزارعين الإيرانيين غير مطابقة للمواصفات العالمية، في ظل غياب رقابة كافية على سلسلة إنتاج وتوزيع الغذاء. وقد رصدت تقارير وجود معادن ثقيلة مثل الرصاص والكادميوم في بعض المنتجات الزراعية، ما يربطها بشكل مباشر بأمراض الكبد والفشل الكلوي والسرطان.
وتتسبب ظروف الإنتاج والتخزين غير السليمة في تلوث ميكروبي للمواد الغذائية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى حالات تسمم أو أمراض معوية، وفقاً لتحذيرات المجتمع الطبي.
وكان أحد أبرز التحذيرات المتكررة في السنوات الأخيرة هو الاستخدام غير المراقب لأنواع من الملح، مثل ملح البحر أو الملح غير المكرر، والذي قد يحتوي على معادن ثقيلة، بحسب تصريحات لمدير مكتب التغذية في وزارة الصحة في أبريل 2024.
رغم هذه المؤشرات، لم تُقرّ الحكومات الإيرانية المتعاقبة بشكل مباشر بحجم التأثير السلبي للتغذية غير الصحية. وفي عام 2022، أعلنت هيئة الغذاء والدواء عن إطلاق المرحلة الثالثة من “البرنامج الوطني لصحة وسلامة الغذاء”، متحدثة عن توظيف الذكاء الاصطناعي لرصد الأغذية المغشوشة، وإنشاء لجنة وطنية لتقييم المخاطر.
إلا أن هذه الوعود لم تتمكن حتى الآن من الحدّ من أزمة التلوث الغذائي. فما زالت تقارير رسمية تكشف عن وجود مواد غذائية منتهية الصلاحية في بعض المصانع والمحال، وآخرها ما أعلنه مدير دائرة التعزيرات في محافظة البرز في مارس 2025 عن ضبط أكثر من طنين من اللحوم والأسماك ومنتجات الألبان غير الصالحة للاستهلاك.
ويحذّر متخصصون من أن مثل هذه المنتجات لو لم تُضبط، لكانت وجدت طريقها إلى مطاعم الوجبات السريعة منخفضة التكلفة، والتي تستفيد من الضغوط الاقتصادية على إيران لإغراق السوق بأطعمة رخيصة وغير آمنة، ما يُبرز مجدداً الترابط الوثيق بين تدهور الأوضاع الاقتصادية والصحية في البلاد المحاصرة بالعقوبات.