من الصحافة الإيرانية: طهران تمهد لخطة بديلة في الملف النووي
إن تنسيق إيران مع روسيا والصين، كقوتين عالميتين، لا يمنح طهران فقط غطاءً أمام الضغوط الغربية، بل يُعزز أيضًا من قدرتها على الدفاع بثقة عن حقوقها النووية.

ميدل ايست نيوز: عشية انعقاد الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المقرر بين 7 و11 يونيو 2025، عادت التحركات الدبلوماسية الإيرانية لتكشف عن معادلات ذات دلالات لافتة. فقد عقد ميخائيل أوليانوف، المندوب الدائم لروسيا لدى المنظمات الدولية في فيينا، لقاءً مع رضا نجفي، السفير والمندوب الجديد لإيران لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف، إلى جانب ممثل الصين، كما أجرى كاظم غريب آبادي، مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية، محادثات في طهران مع سفيري روسيا والصين، بما يعكس تنسيقًا وثيقًا بين الدول الثلاث لمواجهة التحديات المقبلة.
تنسيق ثلاثي بين إيران وروسيا والصين
وقالت صحيفة شرق الإيرانية في تقرير لها، إن لقاء أوليانوف مع نجفي ونظيره الصيني في فيينا، والذي وصفه في منشور على منصة “إكس” بأنه “إطار بالغ الفائدة” لتنسيق المواقف، يعكس عمق التعاون الاستراتيجي بين طهران وموسكو وبكين. هذا الإطار الثلاثي، الذي أثبت فعاليته سابقًا في مفاوضات الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن 2231، يتيح لإيران مقاومة الضغوط السياسية والتهديدات الأوروبية، لا سيما تلك المرتبطة بتفعيل “آلية الزناد”. أما محادثات غريب آبادي مع السفيرين الروسي والصيني، التي تناولت تعزيز التعاون في إطار منظمتي بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، فتعكس توجه إيران نحو تعزيز التحالفات الشرقية في مواجهة المواقف الغربية التصادمية.
ويأتي هذا التنسيق في وقت أفادت فيه وكالة “رويترز” نقلاً عن مصادر إيرانية، أن طهران قد تعود إلى “الخطة ب”، وهي استراتيجية تقوم على مواصلة السياسات التي سبقت المفاوضات، مع تجنب التصعيد، وتعزيز العلاقات مع حلفاء كروسيا والصين. هذا التوجه، القائم على مقاربة عقلانية في السياسة الخارجية، لا يحول دون التصعيد غير الضروري فحسب، بل يُمكّن إيران من بناء درع دبلوماسي أقوى لمواجهة الضغوط الغربية، من خلال تعميق روابطها الاستراتيجية مع موسكو وبكين.
أما المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في روما، التي تناولها غريب آبادي خلال لقاءاته مع الدبلوماسيين الروس والصينيين، فلا تزال تواجه عقبات كبيرة. وتتمسك إيران بخطوطها الحمراء، خصوصًا ما يتعلق بحقها في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، وهو ما وصفته ويندي شيرمان، الدبلوماسية الأمريكية السابقة، بأنه أمر “من المستحيل إقناع طهران بالتخلي عنه”. ويعكس هذا الموقف التزام إيران بحقوقها السيادية في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، ويُظهر تمسكها باستقلالية قرارها رغم الضغوط الخارجية.
وقوبلت ادعاءات “رويترز” بشأن طلب الدول الغربية من إيران نقل مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى الخارج أو التفاوض على برنامجها الصاروخي، برفض قاطع من طهران، التي شددت كذلك على ضرورة تقديم واشنطن ضمانات جدية تضمن التزامها بأي اتفاق مستقبلي. يُظهر هذا الرفض أن إيران استوعبت جيدًا درس الانسحاب الأمريكي الأحادي من الاتفاق النووي عام 2018، وتسعى لضمان عدم تكرار هذا السيناريو. هذا الحذر، المقترن بالتنسيق الوثيق مع الحلفاء، يضع إيران في موقع تفاوضي أقوى.
في السياق نفسه، تسعى الدول الأوروبية الثلاث — فرنسا، بريطانيا، وألمانيا — إلى ممارسة ضغط إضافي على إيران من خلال التلويح بتفعيل “آلية الزناد” قبل انتهاء مفعول قرار مجلس الأمن 2231 في أكتوبر 2025. ووفقًا لـ”رويترز”، قد تلجأ هذه الدول إلى هذه الآلية في أغسطس المقبل، إذا لم تُحرز المفاوضات أي تقدم. لكن إيران، بالاعتماد على دبلوماسية نشطة وتنسيقها مع روسيا والصين، حوّلت هذا التهديد إلى فرصة لتعزيز موقفها. وتُظهر اللقاءات الأخيرة في فيينا وطهران أن إيران لا تقف موقف المتفرج إزاء هذه التهديدات، بل تتحرك لتشكيل تحالفات أقوى تحصنها ضد أي خطوات عدائية. كما أن امتناعها عن التصعيد — كما ورد في “الخطة ب” — يعكس رغبتها في السلام والاستقرار الإقليمي، دون أن يعني ذلك الخضوع للإملاءات الخارجية. فطهران، المدعومة بقدراتها الذاتية وحلفائها الاستراتيجيين، جاهزة للدفاع عن حقوقها أمام أي تهديد، سواء كان عبر “آلية الزناد” أو أي إجراء غربي آخر.
وتظهر التحركات الدبلوماسية الإيرانية الأخيرة، من لقاء أوليانوف ونجفي في فيينا إلى محادثات غريب آبادي في طهران، عمقًا استراتيجيًا وحنكة في إدارة التحديات الدولية. فالتنسيق مع روسيا والصين، كقوتين عالميتين، لا يمنح إيران فقط غطاءً أمام الضغوط الغربية، بل يُعزز أيضًا من قدرتها على الدفاع بثقة عن حقوقها النووية. وفي ظل اقتراب اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية، تحمل هذه الدبلوماسية النشطة رسالة واضحة للغرب: أن إيران لن ترضخ للتهديدات، بل تعمل على توسيع تحالفاتها، واستثمار نفوذها بشكل أكثر فاعلية في النظام الدولي الجديد. هذا النهج، المنسجم مع مصالحها الوطنية وكرامتها، يمثل خطوة محورية نحو تعزيز الاستقرار والعدالة في المنطقة والعالم.