كيف أصبحت إيران مصدّرا عالميا للعقول الباحثة عن الحياة؟
ارتفع عدد الطلاب الإيرانيين المهاجرين في الخارج بشكل ملحوظ، حيث بلغ في عام 2022 حوالي 185,000 طالب، وهو ما يمثل زيادة بمقدار خمسة أضعاف مقارنة بالأرقام قبل 25 عامًا.

ميدل ايست نيوز: ارتفع عدد الطلاب الإيرانيين المهاجرين في الخارج بشكل ملحوظ، حيث بلغ في عام 2022 حوالي 185,000 طالب، وهو ما يمثل زيادة بمقدار خمسة أضعاف مقارنة بالأرقام قبل 25 عامًا. يُفضل العديد من هؤلاء الطلاب التخصص في العلوم الإنسانية في دول متقدمة مثل الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وفرنسا. وبالإضافة إلى ذلك، أشار تقرير صادر عن البنك الدولي قبل عامين إلى أن هجرة الكفاءات البشرية كلفت الاقتصاد الإيراني خسائر مالية تجاوزت 50 مليار دولار، وهو رقم يفوق عائدات صادرات النفط الإيرانية في السنوات الأخيرة.
“نحن الآن نُعدّ شبابًا يفكرون في الخارج. ليس من الإنجاز أن نُعدّ نخبة ونرسلهم إلى أمريكا”. ما سبق هو تصريح أدلى به الرئيس الإيراني مسعود بزشکیان خلال حفل تكريم المعلمين المتميزين، وقد أثارت هذه التصريحات ردود فعل، حيث نشرت صحيفة كيهان تقريرًا عقب هذه التصريحات، تشكك فيه في صحة هذه المخاوف، مستندة إلى بيانات من عام 2020 تشير إلى أن إيران لم تكن من بين أول 50 دولة مصدرة للمهاجرين. ومع ذلك، لم توضح الصحيفة مصدر هذه البيانات، مما يثير تساؤلات حول دقتها.
تُظهر الإحصاءات أن عدد المهاجرين الإيرانيين في عام 1990 كان حوالي 820,000 شخص، وارتفع هذا العدد إلى 1.87 مليون في عام 2020، مما يدل على تضاعف عدد المهاجرين خلال 30 عامًا. كما زادت نسبة المهاجرين من إجمالي السكان من 1.45% في عام 1990 إلى 2.23% في عام 2020.
ووفقًا لبيانات من موقع “World Bank“، بين عامي 2017 و2020، كانت الإمارات العربية المتحدة تستضيف أكبر عدد من المهاجرين الإيرانيين، حيث بلغ عددهم 454,000 شخص، بينما جاءت بلجيكا في المرتبة العشرين بحوالي 12,000 مهاجر.
وفي عام 2024، وصل عدد الطلاب الإيرانيين في العشرة وجهات الرئيسية إلى 110,000 طالب، مقارنة بـ60,000 في عام 2020، مما يمثل زيادة بنسبة 82%. ومن المثير للاهتمام أن تركيا أصبحت الوجهة الرئيسية للطلاب الإيرانيين، حيث استضافت حوالي 30,000 طالب في عام 2024، بزيادة قدرها 158% عن عام 2020. تليها كندا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة.
تشير البيانات إلى أن عدد الطلاب الإيرانيين في إيطاليا زاد بنسبة 211%، وفي تركيا بنسبة 158%، وفي أستراليا بنسبة 103%، وفي المملكة المتحدة بنسبة 98%، وفي كندا بنسبة 79%، وفي روسيا بنسبة 75%، مقارنة بعام 2020.
تاريخيًا، كانت الولايات المتحدة الوجهة الرئيسية للطلاب الإيرانيين، حيث كان هناك أكثر من 50,000 طالب إيراني في عام 1979. ومع ذلك، فقد تراجعت هذه الأرقام، وتجاوزتها تركيا وكندا.
في يناير 2025، خلال مؤتمر حول هجرة النخب العلمية في إيران، أشار الدكتور رسول صادقي، عضو هيئة التدريس بجامعة طهران، إلى أن عدد المهاجرين الإيرانيين يُقدر بحوالي 5 ملايين شخص. لافتا إلى أن عوامل مثل عدم الاستفادة المناسبة من رأس المال البشري، وفقدان الأمل، وغياب رؤية مستقبلية، والأزمات الاقتصادية، وانتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وزيادة عدد مؤسسات الهجرة، كلها ساهمت في زيادة الهجرة.
وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد المهاجرين واللاجئين الإيرانيين قد يتراوح بين 7 إلى 8 ملايين شخص.
نمو في عدد الطلاب المهاجرين بنسبة تزيد عن 80%
في 21 يناير 2025، أفادت صحيفة “دنياي اقتصاد” أن تقريرًا صادرًا عن المؤسسة الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة أشار إلى أن إيران من بين الدول العشر الأولى المصدرة للطلاب في مرحلتي الدكتوراه وما بعد الدكتوراه إلى الولايات المتحدة، حيث يدرس حوالي 10,000 طالب إيراني هناك.
تشير التقارير إلى زيادة ملحوظة في هجرة المتخصصين والفنيين من إيران، خاصة في مجالات مثل هندسة الكمبيوتر والميكانيكا والكهرباء، مما أثر سلبًا على الكوادر الفنية في البلاد. كما أن هجرة الكوادر الطبية، بما في ذلك الأطباء والممرضين والعاملين في مجال الصحة، أصبحت تحديًا كبيرًا في السنوات الأخيرة.
وفقًا لدراسة أجراها الباحثان الإيرانيين محمد فاضلي وبهرام صلواتي بعنوان “تقرير هجرة الإيرانيين: الأسباب والدوافع”، والتي نُشرت في ديسمبر 2024، من بين 12,000 استبيان تم توزيعها بين 30 يونيو و11 يوليو 2023، أفاد حوالي 19% من المشاركين بأنهم هاجروا ويعيشون خارج إيران، بينما يعيش 81% داخل البلاد.
في هذه الدراسة، أشار 16% من المشاركين إلى أنهم لا يفكرون في الهجرة على الإطلاق، بينما قالت نفس النسبة (16%) إنهم يفكرون في الهجرة وقد اتخذوا خطوات عملية في هذا الاتجاه.
من بين 2,100 شخص هاجروا، فقط 20% ينوون العودة إلى إيران. الغالبية العظمى ممن قرروا الهجرة أو اتخذوا خطوات عملية (بين 50% إلى 60%) كانوا يعملون في مؤسسات وشركات إيرانية، مما يشير إلى أن هجرتهم قد تؤثر بشكل كبير على توفير القوى العاملة في هذه المؤسسات.
تشير الدراسة أيضًا إلى أن زيادة العمر تقلل من الرغبة في الهجرة، بينما تزيد المستويات التعليمية والدخل من الدافع للهجرة. ومع ذلك، فإن العوامل الأكثر تأثيرًا على قرار الهجرة هي نظرة الأفراد للقضايا الاقتصادية الكبرى وفوائد الهجرة لحياتهم الشخصية.
أولئك الذين هاجروا وكانوا يعملون في مؤسسات وشركات إيرانية سابقًا يشعرون بعدالة توزيعية أكبر مقارنة بمن لا يزالون يعملون في إيران. كما أن متوسط الشعور بالعدالة التوزيعية بين المهاجرين الذين غادروا بعد عام 2018 أقل بشكل ملحوظ من أولئك الذين هاجروا قبل ذلك.
على الرغم من محاولات بعض الجهات، مثل صحيفة كيهان، التقليل من أهمية هجرة الإيرانيين، إلا أن هجرة الكفاءات البشرية أصبحت مصدر قلق كبير للمسؤولين في البلاد، حيث تسببت في خسائر اقتصادية تُقدر بـ50 مليار دولار.
في 28 أبريل 2025، خلال فعالية احتماعية في جامعة شريف الصناعية، أُعلن أن معدل الهجرة في إيران زاد بنسبة 141% بين عامي 2020 و2021، مع تركيز كبير على الشباب الذين يسعون لفرص أفضل في الخارج.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت تقارير إلى أن هجرة المبرمجين الإيرانيين أصبحت ظاهرة ملحوظة. وفقًا لاستطلاع أجرته منصة Quera في عام 2025، بمشاركة أكثر من 5,120 مبرمجًا، أفاد 40% منهم بأنهم يخططون للهجرة بشكل مؤكد، بينما قال 32% إنهم قد يقررون الهجرة في المستقبل، و20% فقط لا ينوون الهجرة.
تشير تقارير إلى أن الولايات المتحدة وكندا وألمانيا كانت الوجهات الثلاث الأولى للمهاجرين الإيرانيين في عام 2024، مع احتمال أن يكون جزء كبير منهم من المبرمجين والمطورين الذين يسعون لتحقيق طموحاتهم المهنية في الخارج.
هذا يمثل نوعًا من “الهجرة الخفية”، حيث يعمل بعض الإيرانيين من داخل البلاد لصالح شركات دولية أو محلية في دول أخرى.
وتشير نتائج استطلاع Quera إلى أن 69% من المبرمجين يسعون لتحسين جودة حياتهم، و61% لتحسين أوضاعهم الاقتصادية، و42% للحصول على حريات اجتماعية، كأسباب رئيسية للهجرة. فقط 8% منهم يهدفون إلى اكتساب الخبرة والعودة إلى إيران.
تُظهر هذه البيانات أن هجرة النخب الأكاديمية والمتعلمة من إيران ليست مجرد موضوع يطرح بالوسط الإعلامي، بل حقيقة لا يمكن إنكارها. إذا لم تُتخذ إجراءات فعالة لمعالجة هذه الظاهرة، فقد تتفاقم آثارها السلبية على المجتمع والاقتصاد الإيراني.
اقرأ أكثر
إيران من بين الدول الأولى في الهجرة غير الشرعية عبر قناة المانش بين 2021 و2024