لماذا يستمر القصف التركي في العراق رغم إعلان “الكردستاني” حل نفسه؟
لم يتوقف القصف التركي على تجمّعات المسلحين الذين ينتمون إلى حزب العمال الكردستاني التركي، رغم إعلان الأخير في 12 مايو/أيار الماضي، حلّ نفسه.

ميدل ايست نيوز: لم يتوقف القصف التركي على تجمّعات المسلحين الذين ينتمون إلى حزب العمال الكردستاني التركي، رغم إعلان الأخير في 12 مايو/أيار الماضي، حلّ نفسه، بل شهدت الأيام الماضية سلسلة من الضربات الجوية التي أدت إلى خسائر في صفوف المسلحين شمالي العراق، في إشارة قد تكون أنها تستهدف جماعات داخل الحزب الكردستاني تمتنع عن الانصياع لقرار زعيمهم عبد الله أوجلان الذي يقضي عقوبة السجن في تركيا.
وخلال الأسبوع الماضي، شهدت مناطق ومنحدرات جبلية تقع ضمن الحدود الإدارية لمحافظة دهوك شمالي العراق، قصفاً تركياً على مجاميع تتبع حزب العمال الكردستاني، ويقول الأتراك إن هذه التجمعات ما تزال تحمل السلاح، وإن المسلحين ما يزالون يسيطرون على مناطق جغرافية واسعة في الشمال العراقي، تتعدى إقليم كردستان. ووفق المعلومات فإن “مسلحي العمال ينتشرون من شمال العراق وصولاً إلى محافظة نينوى وأطراف محافظة كركوك بمساحة تتجاوز أربعة آلاف كيلومتر مربع”، كما أن التقديرات العراقية تفيد بوجود 20 منطقة عراقية رئيسية خاضعة لسيطرة “الكردستاني” إلى جانب نحو 380 قرية.
وأكدت ما تُعرف بـ”قوات الدفاع الشعبي”، الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني، الأسبوع الماضي، في بيان أن “الجيش التركي قصف مناطق الدفاع المشروع 27 مرة بالقنابل والأسلحة الثقيلة، مؤكدة أنها ردت على هذه الهجمات ضمن إطار حق الدفاع، فيما أعلنت في بيان منفصل مقتل مسلحين اثنين وهما “شيار جزير” و”باران جيا”.
في السياق، قال مسؤول أمني عراقي، إن “القوات التركية تواصل حربها على مسلحي حزب العمال الكردستاني والتوغل في مناطق كردستانية وتحديداً المناطق الجبلية والمنحدرات والعقد الاستراتيجية القريبة من العمادية في دهوك، فضلاً عن مناطق أخرى في سلسلة جبال قنديل”، موضحاً لـ”العربي الجديد”، أن “القوات التركية لم تتحرك باتجاه الانسحاب من مواقعها، ولم تقلل من وجودها العسكري، ويبدو أن هذا الأمر مرتبط بقلة الثقة من ناحية الاتفاق مع العمال الكردستاني، وما يزال الأتراك ينتشرون في أكثر من 60 موقعاً عسكرياً داخل حدود شمال العراق، وتضم آلاف الجنود”.
وأضاف المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن نفسه، أن “القصف التركي استهدف الأسبوع الماضي مناطق جبلية متفرقة من بينها مناطق ضواحي محافظة دهوك، ولا توجد أرقام دقيقة، لكن الأتراك قصفوا نحو 25 مرة خلال الأيام السبع الماضية، مواقع عمالية”.
وتوجد جيوب لحزب العمّال الكردستاني داخل العراق منذ عام 1984، وتحديداً في سلسلة جبال قنديل الواقعة في المثلث الحدودي العراقي الإيراني التركي، لكنه زاد وجوده بعد الغزو العراقي للكويت في 1990، وخروج المحافظات ذات الغالبية الكردية (أربيل ودهوك والسليمانية) عن سيطرة بغداد عام 1991.
وبعد الغزو الأميركي للعراق في 2003، تحولت مدن ومناطق كاملة في شمال العراق إلى معاقل رئيسية لـ”الكردستاني”، وهو ما دفع الجيش التركي إلى التوغل في العمق العراقي وإنشاء أكثر من 30 موقعاً عسكرياً دائماً له في الأراضي العراقية حتى عام 2013. وبعد اجتياح تنظيم داعش مساحات واسعة في العراق في 2014، توسع الحزب إلى سنجار ومخمور وزمار وكركوك تحت عنوان حماية الإيزيديين والأكراد، لتبلغ مساحة الأراضي التي يسيطر عليها أو ينشط فيها “الكردستاني” أكثر من أربعة آلاف كيلومتر مربع.
ومن أبرز معاقل الحزب في شمال العراق: سلسلة جبال قنديل، مناطق سيدكان وسوران، الزاب، زاخو، العمادية، كاني ماسي، حفتانين، كارا، متين، زمار ومخمور، سنوني وفيشخابور، في محافظات دهوك، وأربيل، والسليمانية، ونينوى.
“خرق غير مقبول”
في السياق، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي علي البنداوي، إن “استمرار القوات التركية بقصف مناطق عراقية يعد خرقاً غير مقبول، خصوصاً بعد الاتفاق والإعلان الرسمي لعبد الله أوجلان بحل الحزب والتحول إلى مسار العمل السياسي والاجتماعي”، موضحاً لـ”العربي الجديد”، أن على “الحكومة العراقية أن تتحدث مع الجانب التركي عن مبررات استمرار القصف على أراضٍ عراقية”.
وأكمل البنداوي، أن “كل مبررات الوجود التركي في شمال العراق انتهت وانتفت مع إعلان حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه، وأن الحكومة العراقية كانت قد رحبت بالإعلان من أجل طيّ صفحة طولية كانت قد أقرت على الأمن العراقي وتسببت بإحراج العراق أمام الجيران والمجتمع الدولي”، مؤكداً أن “تركيا عليها أن تتوقف عن قصف المناطق العراقية، وحل مشاكلها مع العمال الكردستاني في الأراضي التركية”.
من جانبه، أشار رئيس حزب الحرية والديمقراطية الإيزيدي والمتحدث باسم تنسيقية سنجار، القريبة من حزب العمال الكردستاني حسين حجي، إلى أن “حزب العمال الكردستاني وصل إلى اتفاق لحل الحزب ونزع سلاحه والتوجه إلى السياسة، وقد التزم عناصر وأعضاء وقادة الحزب، لكن تركيا لا تزال غير واثقة من تطبيق أو الالتزام بهذا الاتفاق”
وأوضح حجي لـ”العربي الجديد”، أن “الأتراك عليهم أن ينسحبوا بالكامل من الأراضي العراقية، كما أن على الحكومة التركية أن توقف الدعم وإسناد قوات حرس نينوى وقوات درع كركوك، لأن في ذلك تدخلاً في الشأن العراقي”، معتبراً أن “استمرار الأتراك بقصف العراقيين والأراضي العراقية قد يؤدي إلى مشكلات سياسية لاحقة، ونحن لا نريد أي مشاكل في المستقبل”.
في حاجة إلى وقت؟
لكن الباحث في الشأن السياسي التركي جواد جوك، بيّن أن “الحكومة التركية تحتاج إلى وقت من أجل إنهاء عملياتها في مناطق شمال العراق المحتلة من قبل المسلحين من عناصر حزب العمال الكردستاني، كما أن هناك حاجة لمزيدٍ من الوقت لتسليم هؤلاء المسلحين لسلاحهم، ونزولهم من جبل قنديل، لا سيما أن هناك من يرفض الانصياع لأوامر الحل بالإضافة إلى ترحيل القيادات إلى البلدان التي جرى الاتفاق عليها بضمنها النرويج وجنوب أفريقيا”. وأكد جوك لـ”العربي الجديد”، أن “الحكومة التركية ملتزمة بتعهداتها، وهي تعمل بالتنسيق مع الحكومة العراقية، وأن حكومة أنقرة لا تريد بقاء قواتها في العراق”.