إيران… جمود في سوق السيارات وسط التقلبات الاقتصادية والضبابية السياسية

يشهد سوق السيارات في إيران حالة من الشلل خلال الأشهر الماضية، وهي حالة ناجمة بالدرجة الأولى عن اضطراب السياسات الاقتصادية الكلية في البلاد.

ميدل ايست نيوز: يشهد سوق السيارات في إيران حالة من الشلل خلال الأشهر الماضية، وهي حالة ناجمة بالدرجة الأولى عن اضطراب السياسات الاقتصادية الكلية في البلاد وغموض مستقبل المفاوضات مع الولايات المتحدة، والارتباك السائد في الأسواق الموازية، لا سيما سوق الصرف الأجنبي.

وأدى غياب الأفق الواضح في هذه المجالات أدى إلى تراجع المشترين، خصوصًا في سوق السيارات المستوردة، عن الإقدام على عمليات شراء جدية، ليصبح انتظار “الاستقرار” الاستراتيجية الأساسية السائدة في السوق الإيرانية.

وبحسب رأي الخبراء، فإن أحد الأسباب الرئيسة لانخفاض الطلب في هذا السوق هو الأمل بانفتاح قريب في استيراد السيارات الأجنبية عالية الجودة، وهو انفتاح قد يُحدث تحولًا في السوق إذا ما تحقق.

الأسعار لا تزال مقاومة

تشير متابعة حركة الأسعار في سوق السيارات المستوردة في إيران إلى أن تراجع الطلب لم يترك بعدُ أثرًا ملموسًا على الأسعار. فعلى سبيل المثال، ارتفع سعر طراز “أودي كيو5” موديل 2024 بنسبة 1% خلال الأيام العشرة الماضية، ليصل إلى نحو 5 مليارات و700 مليون تومان. أما باقي السيارات المستوردة غير الصينية، فلم تشهد تغيرًا كبيرًا في أسعارها، وظلت تقلباتها إما معدومة أو محدودة جدًا.

في المقابل، يشهد سوق السيارات الصينية المستوردة تراجعًا حادًا في مستوى الطلب، إذ بات المشترون أكثر حذرًا، خاصة مع تزايد التقارير حول تدني الجودة والمشاكل الفنية ونقص قطع الغيار، وهي أمور صعّبت من استخدام هذه السيارات.

ورغم أن هذه السيارات دخلت السوق الإيراني يومًا ما تحت شعار “سيارات رخيصة للطبقة المتوسطة”، إلا أن أسعارها اليوم تجاوزت المليارات، لتبتعد كثيرًا عن القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والضعيفة.

فعلى سبيل المثال، تُعرض سيارة “شانغان CS55 بلس” موديل 2024 بسعر يقارب مليارين و800 مليون تومان، في حين يبلغ سعر طراز “KMC X5” حوالي مليار و850 مليون تومان، وهي أرقام أضعفت إقبال حتى الزبائن الملتزمين بسيارات الفئة الاقتصادية.

ومن أبرز المشاكل الأخرى في هذا القطاع، ضعف خدمات ما بعد البيع وتوفير قطع الغيار. فوجود 34 شركة استيراد تعمل دون وكالات رسمية أو ارتباط مباشر مع الشركات الأم أدى إلى فوضى في تقديم الخدمات، ما جعل هيكل خدمات ما بعد البيع يعاني من مشكلات جدية وزاد من استياء الزبائن.

كما أن تدخل مافيا صناعة السيارات وقطع الغيار في استيراد السيارات الصينية منخفضة الجودة، دون مراعاة لمتطلبات الضمان وخدمات ما بعد البيع، ساهم في تراجع الثقة العامة بشبكة الشركات المستوردة للسيارات الصينية.

مشكلة توفير القطع تعود للسياسات الكلية

انخفض عدد السيارات المستوردة لدى كثير من هذه الشركات إلى أقل من 500 آلية سنويًا، ما جعل استيراد قطع الغيار غير مجد اقتصاديًا. إضافة إلى ذلك، فإن أولوية متدنية في تخصيص العملة الصعبة لاستيراد القطع خلقت عقبة أخرى في طريق توفيرها.

كما يخشى المشترون الإيرانيون من احتمالية تراجع حاد في أسعار السيارات الصينية في حال توسع استيراد العلامات التجارية الأوروبية والآسيوية المرموقة، ما جعل هذه السيارات غير جذابة حتى لمن ينظرون إليها كأداة استثمار.

في أواخر مايو 2025، تحدثت بعض وسائل الإعلام الإيرانية عن عودة شركة “ستاره إيران” إلى استيراد سيارات مرسيدس-بنز، ووفقًا لهذه التقارير، شوهدت طرازات مثل GLA، A200L، C200L وGLB في مركز الفحص السابق للتسليم التابع لإيران‌ خودرو، ومن المرتقب دخولها السوق قريبًا.

كما طُرحت احتمالية استيراد سيارات من علامات مثل تويوتا، ونيسان، وميتسوبيشي عبر نظام المبيعات الموحد، وهو ما قد يعيد تشكيل سوق السيارات المستوردة إذا تحقق.

ضبابية في التعرفة الجمركية وتأثيراتها

لكن أكبر عائق أمام عودة العلامات التجارية المرموقة إلى إيران يبقى غياب الشفافية في نظام تعرفة الاستيراد. فرغم إقرار تعرفة استيراد بنسبة 100% في مشروع موازنة عام 2025، إلا أن وزارة الصناعة والتجارة لم تصدر حتى الآن أي لائحة تنفيذية واضحة، ما أدى إلى تعليق تخليص السيارات وتوقف عمليات التسجيل.

يُضاف إلى ذلك حادثة الانفجار في ميناء “شهيد رجائي”، التي أثرت سلبًا على واردات السيارات، حيث أدى تلف الوثائق والمعلومات الخاصة ببعض السيارات إلى تعطيل إجراءات تخليصها من الجمارك، فضلاً عن الأضرار الجسيمة التي لحقت ببعضها.

ويعتقد العاملون في سوق السيارات أنه إذا لم تفِ الحكومة بوعودها واستمرت في الحد من الواردات، فإن هدفها المُعلن بـ”كسر احتكار المنتجين المحليين” لن يتحقق، وسيبقى السوق خاضعًا لسيطرة الشركات المحلية المصنعة للسيارات وقطع الغيار، فيما يواجه المستهلكون ارتفاعًا في الأسعار وتراجعًا في الجودة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى