النووي الإيراني والسباق بين صفقة ترامب وضربة نتنياهو
الرئيس ترامب من الأساس حاسم في خيار الصفقة، وتبلور حسمه أكثر بعد الجولات الخمس من المفاوضات، رغم تعذر تحقيق أي اختراق وازن خلالها.

ميدل ايست نيوز: مع التسريبات الإسرائيلية أواخر الأسبوع الماضي عن أن الإدارة الأميركية وافقت على “تخصيب منخفض” لليورانيوم ومسارعة البيت الأبيض (الاثنين الماضي) للنفي وتأكيد هذا المطلب مع تحذيره نتنياهو (الجمعة الماضي) من توجيه ضربة لإيران، تعززت التوقعات بحصول تطورين قريبين: التوصل إلى صفقة ما حول النووي الإيراني، واحتمال قيام إسرائيل بضربة استباقية لإحباط المشروع.
الرئيس ترامب من الأساس حاسم في خيار الصفقة، وتبلور حسمه أكثر بعد الجولات الخمس من المفاوضات، رغم تعذر تحقيق أي اختراق وازن خلالها. وانعكس ذلك مؤخراً في غياب تلويحه بالبديل “السيئ”، أي العسكري، من خطابه، كما فعل من قبل مع انطلاق المفاوضات. وبدلاً من ذلك، وجّه فريقه المفاوض لعرض عدة صيغ على طهران للتغلب على عقدة التخصيب؛ منها تشكيل كونسورتيوم (تكتل) مع دول خليجية لتخصيب اليورانيوم بالشراكة وبدرجة منخفضة تصلح للاستخدام النووي المدني، وذلك حلاً يجمع بين طلب إيران في مواصلة التخصيب وبين مطلب واشنطن منعها من القيام وحدها بهذه العملية. ومن السيناريوهات أن يجرى التخصيب في إحدى دول الخليج.
وتردد اليوم أن طهران وافقت على التخصيب عبر صيغة الكونسورتيوم شرط أن يكون في إيران. وذكرت معلومات أن ترامب عرّج على قضية التخصيب خلال مكالمته مع الرئيس فلاديمير بوتين التي بحثت ضربة المسيرات الأوكرانية على قواعد جوية روسية. وقيل إن هذا الأخير أبدى استعداده لمفاتحة ايران بالموضوع، علّ ذلك يساعد في تسهيل التوافق حول هذه النقطة التي بات مصير المفاوضات متوقفاً على حلّها.
في المقابل، دخلت قيادات في الكونغرس على الخط وبما يوحي بأن طبخة الاتفاق باتت على نار حامية. زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ السيناتور تشاك شومر قال الثلاثاء: “لقد علمنا مؤخراً أن المبعوث ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو يقومان بالتفاوض سراً لعقد صفقة مع إيران… تسمح لهذه الأخيرة بالحصول على ما تريده.. وهذا أمر مخزٍ”. تصريحه بدا نسخة منقحة من موقف حكومة نتنياهو. وهو وثيق الصلة بإسرائيل التي يرجح أن تكون هي التي مررت هذه المعلومة له جزءاً من محاولة للاستعانة بالكونغرس وغيره من القوى المؤثرة في واشنطن للوقوف ضد أي اتفاق مع إيران.
الاعتراض في مجلس الشيوخ له أنصاره خصوصاً في أوساط الجمهوريين الذين لا يقلون حماساً عن شومر لعرقلة أي صفقة تسمح بأي نسبة من تخصيب اليورانيوم، ولو أنهم لا يجاهرون بهذا الموقف اجتناباً للاصطدام مع ترامب الذي يعطي الدليل تلو الدليل على سعيه الجاد لعقد صفقة نووية مع طهران؛ منها تعميمه الأخير على الوكالات والدوائر الرسمية “لوقف العمل بسياسة الضغوط القصوى” التي اعتمدتها إدارته منذ مجيئها والتي ترجمتها بفرض المزيد من العقوبات ضد طهران.
الآن، التوجه نحو الصفقة يقضي بتغيير هذه السياسة، وجدّية هذا التوجه جدّدت الحديث والجدل عن الحرب ضد إيران. ولوّح نتنياهو بهذا الخيار من خلال تسريبه إلى الإعلام الأميركي، قبل أيام، معلومات عن أن إسرائيل تعد لضربة عسكرية ضد إيران. كلامه أُخذ على محمل الجدّ، وبما حمل ترامب على تحذيره من هذه اللعبة.
وقام نتنياهو، على ما يبدو، بتحريك بعض الصقور من المحافظين الأميركيين المحسوبين على إسرائيل والمقربين من ترامب، مثل مذيع الراديو الشهير والمؤثر على ملايين المحافظين مارك ليفين الذي حضر أمس إلى البيت الأبيض لحثّ الرئيس على ضرب إيران. وإثر ذلك، سارع جناح آخر من المحافظين الرافضين الحربَ والموثوقين من جانب ترامب (مثل مذيع البودكاست والمعلق السياسي تاكر كارلسون الذي لا يأبه لإسرائيل وحساباتها) إلى التصدي لهذا التحريض ودعوة الرئيس إلى الاستمرار في نبذ خيار الحرب، فالموضوع دخل على المشهد السياسي في واشنطن. والوقت ضاغط.
وإذا كان السائد في واشنطن أنه من المستبعد أن يجازف نتنياهو بتحدّي الرئيس الأميركي بقرار عسكري من عيار القيام بعملية عسكرية ضد إيران، الاّ أن الرجل تجاوز واشنطن مرات عديدة خلال حرب غزة ومتفرعاتها في المنطقة، وإن كان ذلك قد تيسّر له بفعل التواطؤ الأميركي الضمني معه. فهو يدرك أن الولايات المتحدة في النهاية لا تتخلى عن إسرائيل مهما عظم الذنب، وأنه يمكنه الاستقواء والاستنجاد بالرافعات الأميركية الحاضنة لإسرائيل عند اللزوم إذا ما عزم على المضي في هذا القرار الذي يقال إنه لن يتردد في الإقدام عليه في آخر المطاف إذا ما قضت حساباته بذلك. وتدرك اشنطن، وبالتحديد إدارة ترامب، ذلك.
فكتور شلهوب