من الصحافة الإيرانية: طهران وواشنطن والعمل على تجاوز الأزمة النووية

على من يهمهم أمر إيران والإيرانيين أن يدركوا أن المفاوضات النووية يمكن أن تبشّر ببداية مرحلة جديدة وواسعة، لا تقتصر آثارها على إيران فحسب، بل تمتد إلى الشرق الأوسط كله.

ميدل ايست نيوز: لا يمكن للحروب والخلافات أن تستمر إلى الأبد، فلكل حرب نهاية، وتلك النهاية هي السلام. غير أن الدولة الرابحة هي من تدرك توقيت السلام وتستثمره. فالفشل في فهم الظروف والإمكانات قد يؤدي إلى فرض السلام أو إلى خلق ظروف تشبه الاستسلام.

أثناء السعي وراء إنهاء الحرب والأزمة النووية الإيرانية، وحدهم الذين تمسّكوا بالشعارات وخاضوا النضال من أجلها، استطاعوا أو يمكنهم تجاوز الشعارات والطموحات البعيدة عن الواقع. وهو ما حصل خلال الحرب بين إيران والعراق، ويُتوقّع أن يتكرر في الملف النووي.

لم تكن الحكومات المتعاقبة في إيران تملك القدرة أو المكانة لإنهاء السياسات النووية، لأنها، بغض النظر عما إذا كانت تخصص حصة لنفسها، لم تكن جزءاً من الكفاح المرتبط بهذا الملف. في الواقع، كانت المفاوضات التي أجرتها الحكومات تتجاوز السقف الذي رسمه مركز الثقل الحقيقي للسلطة في إيران.

وعلى الرغم من أن التغيرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر 2023، وما تبعها من تغير موازين القوى في لبنان، وسقوط الأسد، وتبدل الأوضاع في العراق وغيرها، لعبت دوراً في مرونة نواة السلطة الصلبة في إيران تجاه الملف النووي، إلا أنه من المهم الإقرار بأنه لو كان شخص من طراز محمد خاتمي أو حسن روحاني في سدة الرئاسة، لما كان التفاوض بالصيغة الحالية ممكناً رغم قسوة الظروف التي يعيشها الإيرانيون.

وبالنظر إلى هذه النقاط الاستراتيجية، ينبغي لجميع الأطراف المعنية داخلياً وخارجياً أن تدرك أن مسار أي اتفاق، سواء سُمّي “المرونة البطولية” أو “كأس السم” أو بأي اسم آخر، لا يمر إلا من خلال نواة الهرم الحاكم. تلك النواة هي القادرة على إقناع الجنود الذين خاضوا الحرب ضد صدام أو التحدي النووي، وهي من تدير السياسة وتوجه الاستراتيجية نحو التغيير.

على من يهمهم أمر إيران والإيرانيين أن يدركوا أن المفاوضات النووية يمكن أن تبشّر ببداية مرحلة جديدة وواسعة، لا تقتصر آثارها على إيران فحسب، بل تمتد إلى الشرق الأوسط كله. فالشعوب والقيادات المرهقة من الحروب في المنطقة تتطلع إلى سلامٍ يرسّخ التنمية والهدوء في هذه الجغرافيا المتقلبة. لذلك ينبغي دعم مسار المفاوضات والسعي لإنجاحه، والنظر إلى المستقبل المشرق بدل الغرق في مآسي الماضي المكلف وغير القابل للتعويض.

لا شك أن مسار المفاوضات سيواجه تحديات وصعوبات حادة، إلا أن إيجاد حل وتجاوز هذا الانسداد والظروف الصعبة هو عين الحكمة والعقلانية.

النقطة الأهم هي أن إرادة طهران وواشنطن قائمة على التوصل إلى اتفاق، ولولا ذلك، لما بدأت المفاوضات أصلاً. فالتصريحات الحادة الصادرة عن قادة إيران والولايات المتحدة ليست بالضرورة لإنهاء المسار، بل تهدف في الغالب إلى تحسين شروط التفاوض، أو لتوجيه رسائل داخلية وتنظيم المعادلات السياسية الداخلية. إنها حقيقة مُرّة من حقائق التاريخ: صقور الحرب غالباً ما يتحولون إلى حمائم سلام.

يدل الدعم الأوروبي والخليجي والصيني والروسي للمفاوضات على أن التوافق حول دعم الاتفاق أصبح توجهاً إقليمياً ودولياً منسجماً. وفي هذا السياق، فإن ابتعاد إيلون ماسك عن ترامب، بالنظر إلى ما له من تأثير إيجابي محتمل على المفاوضات النووية، قد يُعد مصدر قلق.

ومع ذلك، ومنذ انطلاق المفاوضات، كان أملي دائماً معقوداً على التوصل إلى اتفاق أكثر من الخوف من فشله، وما زلت أعتقد أن تحقيق هذا الاتفاق سيكون إنجازاً لا لإيران والإيرانيين فقط، بل للمنطقة بأسرها، بما يحمله من نتائج إيجابية كبيرة. وانطلاقاً من ذلك، فإن دعم المفاوضات النووية يُعدّ واجباً وطنياً على جميع الإيرانيين.

صادق ملكي
خبير استراتيجي ومحلل كبير في القضايا السياسية

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
ميدل ايست نيوز
المصدر
دبلوماسي إيراني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى