من الصحافة الإيرانية: هل هناك تنسيق خفي بين إيران والولايات المتحدة حول أزمة غزة؟

يتطلب تدخل إيران في صيغة وقف إطلاق النار في غزة تغييرات جوهرية في السياسة الإقليمية للجمهورية الإسلامية، وبمعنى آخر تحولا من سياسة المواجهة والصراع مع الولايات المتحدة إلى سياسة التعاون معها.

ميدل ايست نيوز: قال دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض ردًا على سؤال حول “إطلاق النار من القوات الإسرائيلية على قارب يحمل مساعدات إنسانية لغزة”: «غزة الآن في خضم مفاوضات واسعة بيننا وبين حماس وإسرائيل، وإيران تشارك في هذه المفاوضات. لنرَ ماذا سيحدث في غزة. نحن نريد تحرير الرهائن.»

وقد لاقى هذا التصريح اهتمامًا واسعًا في وسائل الإعلام الفارسية، إذ إن إشارة ترامب إلى «تدخل إيران» في المفاوضات المتعلقة بغزة لا تتمتع فقط بجاذبية إعلامية كبيرة، بل إن صحتها في حال تأكدها تكشف جانبًا شديد السرية. فحتى الآن، لم تشر أي مصادر إعلامية إلى تدخل إيران في الاتصالات المباشرة أو غير المباشرة بين حماس والولايات المتحدة وإسرائيل بشأن وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، وهذا يتعارض كليًا مع المواقف الرسمية العلنية لطهران.

تدعم إيران بشكل علني «النضال المسلح» للفصائل الفلسطينية، خصوصًا حماس والجهاد الإسلامي، ضد إسرائيل، وعادةً ما تدعوهم إلى مزيد من المقاومة والصمود في مواجهة «المحتلين القدس». بناءً عليه، فإن تدخل إيران في المفاوضات حول غزة من المنطق أن يقتصر على تشجيع عدم التنازل والتمسك بالمواقف التي أعلنتها حماس.

مع ذلك، ذكر ترامب «تدخل إيران في المفاوضات الواسعة بين الولايات المتحدة وحماس وإسرائيل بشأن غزة». فهل كانت زلة لسان؟ وإذا لم يكن كذلك، فما معنى ذلك؟

يعني ترامب من تصريحه، في حال صحته، هو أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية منخرطة بشكل سري للغاية في مفاوضات تسعى إلى إعلان وقف إطلاق النار في غزة وتحرير الأسرى الإسرائيليين.

فما المساعدة التي يمكن لإيران تقديمها في هذا المجال؟ من الواضح أن طهران تملك نفوذًا على حركة حماس، وإذا استُخدم هذا النفوذ لإقناع حماس بإظهار نوع من المرونة السياسية والعسكرية بهدف التوصل إلى صيغة لوقف إطلاق النار في حرب غزة وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، فبلا شك سيكون ذلك مساهمة فعالة لتحقيق هذين الهدفين.

لكن هذا التدخل يتطلب تغييرات جوهرية في السياسة الإقليمية للجمهورية الإسلامية، وبمعنى آخر تحولا من سياسة المواجهة والصراع مع الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط إلى سياسة التعاون معهم. هذا التحول يبدو «صادمًا» لأي مراقب محايد، لأنه لا يوجد أي مؤشر في السياسة الرسمية والعلنية على مثل هذا التطور.

إذا حدث مثل هذا التحول الجذري في السياسة الإقليمية للجمهورية الإسلامية، فيجب أن ينعكس ذلك في مفاوضات إيران مع الولايات المتحدة من جهة وفي حملة الدعاية الإسرائيلية من جهة أخرى. لكن ترامب في مؤتمره الصحفي أكد معارضة البيت الأبيض لأي تخصيب يورانيوم على الأراضي الإيرانية كجزء من اتفاق محتمل مع إيران، ولم يظهر أي مرونة في هذا الشأن.

أما الجانب الإسرائيلي، فالحملة الإعلامية ضد الجمهورية الإسلامية تتصاعد بشكل ملحوظ. وتبلغ التقارير شبه اليومية في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن جاهزية الجيش لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية في حال فشل المفاوضات بين طهران وواشنطن.

ويتصرف بنيامين نتنياهو وموظفوه وكأنهم منشغلون بموضوع شديد الحساسية يتعلق بإيران. ويواجه نتنياهو، الذي تهدد حكومة ائتلافه بالانهيار بسبب اعتراض حزبي «شاس» و«اليهودية التوراتية المتحدة»، قيادات الحزبين قائلاً: «نمر بمرحلة فريدة من نوعها، والتحديات على الطاولة هائلة. هذه نافذة فرصة تاريخية لا يجب أن تُغلق. لذلك لا ينبغي تحت أي ظرف أن تنهار أسس الحكومة.»

في إيران، دخلت الردود على تهديدات إسرائيل مرحلة جديدة. الأجهزة الأمنية في الجمهورية الإسلامية تعلن عن حصولها على كمية هائلة من الوثائق السرية للحكومة الإسرائيلية، التي يُقال إنها ستسهل الهجوم الانتقامي على أهداف حساسة إسرائيلية للقوات العسكرية الإيرانية.

مع هذا التصعيد الرسمي والعلني في المواجهة، ما مدى مصداقية وجود نوع من التنسيق الخفي حول حرب غزة؟

في النهاية، قد لا يكون من الخطأ التكهن بأن مسؤولين مصريين طلبوا مساعدة عباس عراقجي خلال زيارته للقاهرة لتهدئة أزمة غزة، وأن هذا الطلب نُقل إلى ترامب بدون توضيح رد إيران عليه، مما دفع ترامب إلى تفسيره والإعلان عنه بطريقته سواء عن قصد أو عن سهو.

أحمد زید آبادي
صحفي ومحلل في الشؤون السياسية

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنا عشر − 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى