من الصحافة الإيرانية: كيف حول ترامب الشرق الأوسط مسرحاً لاستعراض سياساته؟
تصرفات ترامب المتناقضة في الأيام الأخيرة أعادته إلى واجهة اهتمام الإعلام العالمي. إذ كتبت رويترز: «هجوم ترامب على إيران هو أخطر مقامرة في السياسة الخارجية منذ خروجه من الاتفاق النووي».

ميدل ايست نيوز: في الحرب التي استمرت 12 يومًا بين إيران وإسرائيل، لم يكن عدد الصواريخ والطائرات المسيّرة هو ما لفت الأنظار أكثر، بل دور رجل واحد في واشنطن: دونالد ترامب. الرئيس الأمريكي الذي زعم في العلن أنه يسعى للتفاوض ويستخدم أدوات الدبلوماسية، أعطى في الوقت نفسه الضوء الأخضر لنتنياهو لشنّ الهجوم، ثم وبعد أيام، ورغم ادعائه أنه لم يتخذ قرارا بعد، أصدر أمرًا بشنّ ضربة عسكرية على المنشآت النووية، وأعلن وقف إطلاق النار حين لم يكن أحد يتوقع ذلك.
وحسب تقرير لموقع “رويداد 24” يقول محللون دوليون إن هذه الأزمة كانت استعراضًا صريحًا لعودة أميركا إلى سياسة الفرد الواحد في عهد ترامب؛ سياسة تتجاوز المؤسسات، وتعطّل القانون، وتقدّم الرئيس كملكٍ عمليّ.
بداية الأزمة بأوامر شخصية من ترامب
لم يكن دونالد ترامب على علم مسبق بالهجوم الإسرائيلي على إيران فقط، بل أعطى الضوء الأخضر لنتنياهو لتنفيذه، ثم في 18 يونيو، وفي ذروة التصعيد، أصدر أمرًا بشنّ ضربة جوية مكثفة باستخدام قاذفات B-2 ضد المواقع النووية الإيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان. جاء ذلك من دون تصويت في الكونغرس، ومن دون استشارة الناتو، وحتى من دون تنسيق كامل مع تل أبيب. ترامب، الذي جذب الانتباه العالمي بتأخير قراره عدة أيام وعقد اجتماعات متتالية، قال إنه يحتاج أسبوعين ليقرر ما إذا كان سيهاجم إيران أم لا. لكن تبين لاحقًا أنه كان قد أصدر فعليًا أمر الإقلاع لقاذفات B-2 حين قال ذلك.
وقد قوبل هذا القرار بردود فعل واسعة. صحيفة نيويورك تايمز أفادت بأن البنتاغون عارض الهجوم في البداية. كما علّق عضو الكونغرس إليوت إنغل بالقول: «هذا القرار الأحادي يسخر من البنية التشريعية للولايات المتحدة».
سردية ترامب عن انتصارٍ بعيد عن الواقع
في الأيام الـ12 الماضية، لم يكتفِ ترامب باتخاذ قرارات مصيرية بشكل فردي ومفاجئ، بل حاول أن يكون الراوي الوحيد للأحداث. منشوراته على منصة تروث أثارت الجدل باستمرار. ففي الفترة من 19 إلى 22 يونيو، كتب ترامب عدة منشورات قال فيها: «السماء الإيرانية تحت سيطرتنا الكاملة. لا يعرفون حتى من أين ضُربوا». وهدد فيها إيران ومسؤوليها بشكل مباشر، رغم أن تقارير الإعلام الإسرائيلي وتحليلات استخباراتية كانت تشير إلى خلاف ذلك، حيث بدأت إيران بالفعل بردّها عبر استهداف حيفا وتل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى بالصواريخ.
وفي حين كان ترامب يتحدث عن «نصر ساحق»، أفادت مصادر استخباراتية غربية بأن القدرة الردعية لإيران لا تزال قائمة.
وقف إطلاق النار بتوقيع ترامب
في مساء 23 يونيو، أعلن ترامب فجأة عن التوصل إلى وقف إطلاق نار «كامل ومُتدرّج» بين إيران وإسرائيل. وقال: «توقف إيران هجماتها أولاً، ثم إسرائيل بعد 12 ساعة. وقد توصلنا إلى هذا الاتفاق عبر قطر وشركائنا الأوروبيين».
هذا الإعلان جاء في وقت لم تصدر فيه أي بيانات رسمية من طهران أو تل أبيب. كما أعلن وزير خارجية قطر أن «الوساطة لا تزال مستمرة، ولم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي».
وفي تحليل لهذا السلوك، كتبت واشنطن بوست: «ترامب لم يكن وسيط سلام بقدر ما كان مخرجًا لعرض دبلوماسي. السلام لم يتحقق بعد، لكن الإعلام الأمريكي سجّله باسم ترامب».
الأمريكيون ضد ترامب
في 24 يونيو، قدّم الديمقراطيون مشروع قرار في الكونغرس لتقييد صلاحيات ترامب العسكرية. وأشار السيناتور تيم كين إلى أن «الرئيس لا يمكنه إدخال البلاد في حرب من طرف واحد».
في المقابل، دافع بعض الجمهوريين مثل السيناتور جوش هاولي عن ترامب، واصفًا قراراته بأنها «ضمان لأمن العالم».
كما أفادت تقارير إعلامية بأن بعض مسؤولي المؤسسات الأمنية في أميركا أصيبوا بـ«الصدمة» جراء تهميش دورهم بالكامل في اتخاذ القرارات.
ترامب في مرآة الإعلام العالمي
تصرفات ترامب المتناقضة في الأيام الأخيرة أعادته إلى واجهة اهتمام الإعلام العالمي. إذ كتبت رويترز: «هجوم ترامب على إيران هو أخطر مقامرة في السياسة الخارجية منذ خروجه من الاتفاق النووي».
وذكرت الغارديان: «ترامب هو المحرّك للحرب والوسيط في آن واحد. هذه الازدواجية خطيرة».
أما الجزيرة فكتبت: «رغم أن طهران لم تقبل وقف إطلاق النار رسميًا، فإن ترامب فاز في ميدان المعركة الإعلامية».
أما سي أن أن فقالت: «رغم استمرار الهجمات، تمكن ترامب من ترسيخ صورة “صانع سلام قوي” لدى الرأي العام الأمريكي».
قائد الأزمة أم لاعبها؟
خلال هذه الأيام الـ12، لم يقترب ترامب من تحويل أزمة إقليمية إلى حرب عالمية فقط، بل استغلّها لإعادة صياغة صورته كزعيم قوي. فقد أصدر أمر الحرب، ثم أعلن الهدنة، دون أن يرجع في أي مرحلة إلى مؤسسات الدولة الرسمية.
الهجمات الإسرائيلية والردود الإيرانية توقفت مع إعلان وقف إطلاق النار، لكن يبقى السؤال: كيف ستتعامل أمريكا مع رئيسٍ فرديّ، معادٍ للمؤسسات، وصانع أزمات كالذي يقودها اليوم؟