ترامب والسماح بصادرات النفط الإيراني إلى الصين: مرونة أم عجز؟

ترامب وفريقه لا ينوون دعم إيران، بل لا يستطيعون تشديد العقوبات النفطية أكثر مما هي عليه بسبب القيود البنيوية والظروف الجيوسياسية.

ميدل ايست نيوز: في خضمّ التحولات المتوترة في منطقة الشرق الأوسط والحرب التي دامت 12 يومًا بين إيران وإسرائيل، أعادت التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومبعوثه الخاص لشؤون غرب آسيا، ستيف ويتكوف، حول إمكانية استمرار صادرات النفط الإيراني إلى الصين و”المرونة” في تطبيق العقوبات النفطية الشديدة، أعادت تسليط الضوء من جديد على التغيّرات في سياسة الطاقة الأمريكية.

صادرات النفط الإيراني إلى الصين… حقيقة لا يمكن إنكارها

وحسب تقرير لصحيفة “اعتماد” الإيرانية، تستمر صادرات النفط الإيراني إلى الصين منذ سنوات طويلة، ولم تفتح تصريحات ترامب وويتكوف طريقًا جديدًا أو تغير من بنية نظام العقوبات المفروضة. فوفقًا لبيانات شركات تتبع ناقلات النفط مثل Vortexa وKpler، إلى جانب تقارير الأسواق، لم تتوقف صادرات النفط الإيراني إلى الصين خلال سنوات العقوبات الأمريكية الشديدة، بل ارتفعت في مارس 2025 إلى أعلى مستوى لها خلال العقد الماضي، متجاوزة مليونًا و800 ألف برميل يوميًا، ما يعادل 16% من إجمالي واردات الصين من النفط الخام عبر البحر خلال ذلك الشهر.

يشير هذا المسار إلى تراجع فعلي في تطبيق العقوبات الأمريكية على صادرات النفط إلى الصين، ونشوء ما يمكن اعتباره نوعًا من التعايش الاقتصادي تحت مظلة العقوبات. وفي تصريحاتهم الأخيرة، أقر ترامب وويتكوف بهذا الواقع، مشيرين إلى وجود “ضوء أخضر” للصين وإيران لمواصلة التعاملات النفطية. غير أن هذه المرونة لا تعبّر عن دعم رسمي، بل تشكّل نوعًا من التغاضي العملي، ويمكن اعتبارها “قبولًا ضمنيًا” بالوضع القائم. وهي رسالة إلى العالم بأن تصدير إيران للنفط إلى الصين بات واقعًا راسخًا.

أسباب تراجع ترامب وفريقه بعد حرب الـ 12 يومًا

هذا التغيير التكتيكي في الموقف الأمريكي نابع من عاملين رئيسيين:

  1. القيود البنيوية وتشبع العقوبات: لقد استخدمت الولايات المتحدة بالفعل معظم أدوات العقوبات المتاحة، ولم يتبق لها وسائل ضغط فعالة جديدة. كما أن استهداف الصين مباشرة، بصفتها الشريك الاقتصادي الأكبر لإيران وأحد الأقطاب الرئيسية في سوق النفط العالمية، هو أمر بالغ الكلفة للولايات المتحدة. ففرض عقوبات على المصارف الصينية قد يُحدث صدمة في الأسواق المالية العالمية، وهو ما تسعى واشنطن لتجنّبه. لذلك، فإن توظيف نفوذ الصين للضغط على إيران يُعد أكثر فاعلية من استهداف الصين مباشرة.
  2. الخشية من صدمات في سوق النفط وتداعياتها الداخلية: تشديد العقوبات على النفط الإيراني بعد الحرب في أوكرانيا والعقوبات على قطاع الطاقة الروسي قد يؤدي إلى سحب نحو 1.5 مليون برميل يوميًا من السوق، ما قد يدفع بأسعار النفط إلى مستويات تتجاوز 100 دولار. وهو سيناريو لا يرغب فيه ترامب، خاصة مع اقتراب انتخابات الكونغرس النصفية وعطلة الصيف الأمريكية. لذلك، فإن الاستراتيجية الجديدة لترامب وويتكوف تتركز على كبح جماح إيران بشكل غير مباشر عبر الصين، مع الحفاظ على استقرار نسبي في سوق الطاقة.

الضوء الأخضر من ترامب… عجز لا خيار

استنادًا إلى البيانات والسياسات السابقة والحالية، يمكن الاستنتاج أن ترامب وفريقه لا ينوون دعم إيران، بل لا يستطيعون تشديد العقوبات النفطية أكثر مما هي عليه بسبب القيود البنيوية والظروف الجيوسياسية. إن هذه “المرونة” ما هي إلا تكتيك للحفاظ على استقرار سوق النفط واستخدام الصين كأداة لضبط سلوك إيران.

بمعنى آخر، فإن تصريحات ترامب تعبّر عن مناورة سياسية غير مباشرة تعكس قبولًا بالوضع القائم، وحاجة إلى حل دبلوماسي، مع الاحتفاظ بإمكانية العودة إلى سياسة الضغط الأقصى في حال تغيرت الظروف السياسية أو الجيوسياسية. حاليًا، يسعى ترامب إلى إدارة الملف الإيراني عبر الصين، لا إلى عزله بالكامل. ويعني طرح هذا الموقف في سياق الحرب مع إسرائيل أن إيران تحوّلت من تهديد إقليمي إلى لاعب جيواستراتيجي متحالف مع الصين. ويسعى ترامب لاحقًا إلى إعادة تعريف “التهديد الإيراني” باعتباره جزءًا من المواجهة الكبرى مع بكين.

أما بالنسبة لإيران، فإن استثمار هذه اللحظة لتثبيت موطئ قدمها في الأسواق الآسيوية، وتعزيز التعاون المالي والاقتصادي مع الصين والدول المجاورة، وتطوير دبلوماسيتها في مجال الطاقة، يُعد أمرًا حيويًا. أما الولايات المتحدة، فعليها أن تعتمد مقاربة واقعية في رسم سياساتها العقابية، بما يتماشى مع مصالح السوق العالمية لتجنب تكرار أزمات النفط السابقة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى