من الصحافة الإيرانية: ماذا حصل عندما أغفلت إيران تحولات النظام العالمي؟
بدأت أزمة إيران الأمنية عندما أغفلت الأجهزة الأمنية والاستراتيجية في البلاد التغيرات الناشئة في السياسة العالمية.

ميدل ايست نيوز: بدأت أزمة إيران الأمنية عندما أغفلت الأجهزة الأمنية والاستراتيجية في البلاد التغيرات الناشئة في السياسة العالمية. فالتطورات السياسية والابتكارات في الأطر المعيارية والتكنولوجية تُعد من العوامل الحاسمة في تحديد نجاح أو فشل الدول في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
كان صانعو القرار الأمنيون والدبلوماسيون في إيران بعيدين عن استيعاب التحولات الحاصلة في النظام العالمي، ولم يُظهروا رغبة حقيقية في التكيّف مع المتطلبات الجديدة للحكم في مجالات الهوية، والقومية، والتحولات الجيلية، والتكنولوجيا الناشئة، ما أدى إلى وقوع إيران في فخ المفاجأة التكتيكية. فقد كانت تعتقد أن امتلاكها لإمكانات كبيرة على المستوى الإقليمي يكفي لتحقيق النصر في أي مواجهة.
في هذا السياق، تمكنت أجهزة الاستخبارات والأمن في الولايات المتحدة وإسرائيل من ترسيخ وجودها داخل إيران، ما أوجد بيئة مناسبة لتشكيل كيانات قادرة على تهديد البنية السياسية الإيرانية أمنياً.
أولاً: تجربة إيران في الموجة الأولى من الدبلوماسية النووية
انطلقت الموجة الأولى من الدبلوماسية النووية في وقت كانت فيه إسرائيل بحاجة إلى وقت إضافي لتنظيم شبكاتها الاستخباراتية داخل إيران، في ظل انعدام الجاهزية الإيرانية. وقد اتسمت السياسات الدبلوماسية الإيرانية آنذاك بتفاؤل مفرط. لم يدرك المفاوضون الإيرانيون أن ما يجري في مستقبل البلاد لا يُحسم في الغرف الدبلوماسية أو من خلال المفاوضات الثنائية فحسب.
سيطرت النزعة الشكلية على الأداء الدبلوماسي الإيراني، ما حال دون فهم عميق لطبيعة تفكير شخصيات بارزة مثل دونالد ترامب، وبنيامين هاغست، وماركو روبيو، وستيف ويتكوف. وبهذا، كانت الدبلوماسية الإيرانية آنذاك بدائية، سطحية، وبعيدة عن المسؤولية، وهو ما تُرجم في العمليات الإسرائيلية المباغتة التي استهدفت مؤسسات ومنشآت أمنية داخل إيران.
وفي وقت تعرضت فيه إيران لهجمات أمنية وعسكرية مباشرة، كانت أدواتها الدبلوماسية ضعيفة إلى حد لم يدفع أي من المؤسسات الدولية إلى إدانة هذا الوضع أو التضامن معها. والنتيجة التي يمكن استخلاصها من تلك المرحلة، أن الموجة الأولى من التفاوض بين إيران والولايات المتحدة أفضت إلى هجوم شامل ومنظم، أمنيًا واستخباراتيًا، ضد البنية التحتية الإيرانية.
ما يجب فهمه هنا هو أن من يُمثّل بلاده استراتيجيًا في المفاوضات يجب أن يتحلى برؤية شاملة ومتعددة الأبعاد. ولكن النزعة الشكلية في التعامل مع ملفات الأمن والدبلوماسية ألحقت ضررًا بالغًا بالمؤسسات البنيوية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ثانيًا: تحديات الموجة الثانية من الدبلوماسية النووية
إن النزاع الإيراني-الإسرائيلي ذو جذور تاريخية، يمكن تتبعها في المبادئ الأساسية للثورة الإسلامية. ومع تنامي النفوذ الإقليمي الإيراني، برزت الحاجة لدى إسرائيل وأميركا وبعض الدول المحافظة في المنطقة لإعادة التوازن من خلال التصعيد.
في هذه المرحلة، تبنّت إسرائيل سياسة “عقيدة الأخطبوط”، معتبرة أن إيران تمثل رأس التنظيم، وإذا تم شلّ أطرافه، فإن قدرته على خوض الحروب الإقليمية ستنتهي. وضمن هذا التصور، استطاعت إسرائيل توسيع عملياتها الاستخباراتية داخل إيران.
وقد ساعدها في ذلك اعتمادها على شبكات النفوذ، إضافة إلى عدم إلمام صناع القرار الأمنيين الإيرانيين بطرق تفاعل الشركات متعددة الجنسيات، وهو ما مكّن إسرائيل من تعزيز قدرتها على مواجهة حزب الله وإيران في الحروب الإقليمية المحتملة.
النتيجة
تأمين الاستقرار في ظل أزمات أمنية ومفاجآت استراتيجية يُعد مهمة بالغة الصعوبة. فالدول التي تعاني من فجوة تكنولوجية وضعف في القدرات التكتيكية بمجالات الاستخبارات والأمن والحماية تجد نفسها في موقف حرج، وتواجه صعوبات في المقاومة أو إعادة التوازن.
تحاول الولايات المتحدة في الوضع الراهن فرض شكل جديد من التحديات الأمنية على إيران. فهذه التحديات تتصاعد تدريجيًا لتتحول إلى أزمات أمنية جديدة ومعقدة.
وفي هذا الإطار، تسعى واشنطن إلى تعزيز موقع إسرائيل التكتيكي. وفي حرب يونيو 2025 ضد إيران، لم يقتصر التنسيق بين أميركا وإسرائيل على الجانب الاستخباراتي، بل امتد إلى التنسيق العسكري والأمني المتكامل.
أما في مجال الدبلوماسية النووية، فتشير المؤشرات إلى وجود أساليب من “الخداع الأمني” تمارسها إسرائيل والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ضد إيران. ومع دخول هذه القوى الثلاث على الخط، من الطبيعي أن تتفاقم التحديات الأمنية الإيرانية.
ويبدو أن الموجة الجديدة من الدبلوماسية النووية قد تمهد لمفاجأة أمنية أخرى، تستهدف المسؤولين والجهات التي نجت من المرحلة الأولى من الحرب الأمنية الإسرائيلية.
ولا يمكن استمرار المسار الدبلوماسي إلا إذا جرى تمكين المفاوضين في بيئة آمنة. وهذه الحماية لا تتحقق إلا إذا جرى كبح أدوات الموجتين الثالثة والرابعة من العمليات الأمنية الأميركية والإسرائيلية، والتي أثّرت بوضوح على الاتصال والتفاعل البيروقراطي مع قادة إيران. وفي حال غياب ذلك، فإن احتمال حدوث كارثة دبلوماسية جديدة يبدو شبه حتمي.
إبراهيم متقي
أستاذ في جامعة طهران