من الصحافة الإيرانية: حل مستدام للصراع الأخير
تجارب السنوات الماضية تُظهر أن إسرائيل قد تعود مجددًا إلى نهجها الهجومي، ما يستدعي من إيران توظيف الحكمة الجماعية واجتياز المرحلة الدقيقة والهشة الراهنة بعقلانية وتروٍّ.

ميدل ايست نيوز: بعد مقاومة القوات المسلحة للعدوان العسكري الإسرائيلي الذي استمر 12 يومًا على البلاد، وبتدخل من دولة قطر، خمدت الاشتباكات العسكرية دون توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار أو قرار دائم بإنهاء النزاع. الهجمات العسكرية الإسرائيلية على إيران خلّفت خسائر بشرية واقتصادية كبيرة؛ إذ تم اغتيال عدد من كبار القادة العسكريين، فضلًا عن عدد ملحوظ من الباحثين والعلماء في المجال النووي، كما استُهدفت عدة منشآت عسكرية ومدنية إيرانية.
كما أوقع العدوان الإسرائيلي عددًا كبيرًا من الضحايا المدنيين. ورغم هذه الخسائر، لم تفلح إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة، المتمثلة في تغيير النظام السياسي في إيران، أو تدمير المنشآت النووية، أو تقويض القدرات الصاروخية الإيرانية. وفي المقابل، تكبّدت إسرائيل خسائر جسيمة نتيجة الضربات الصاروخية، فعلى الرغم من غياب المعلومات الدقيقة بشأن حجم تلك الخسائر، إلا أن المؤشرات المتوفرة تفيد بأنها فاقت ما تم تداوله في وسائل الإعلام. ومع توازن القوى العسكرية بين الطرفين، اضطرت إسرائيل إلى القبول بإنهاء هجماتها والرضوخ لوقف إطلاق نار غير رسمي. من الجدير بالذكر أن إسرائيل لم تكن وحدها في هذه المواجهة، بل دخلت المعركة بدعم واسع من الولايات المتحدة، التي شاركت لاحقًا في استهداف منشآت نووية داخل إيران.
تجارب السنوات الماضية تُظهر أن إسرائيل قد تعود مجددًا إلى نهجها الهجومي، ما يستدعي من إيران توظيف الحكمة الجماعية واجتياز المرحلة الدقيقة والهشة الراهنة بعقلانية وتروٍّ. بمعنى آخر، في الوقت الذي يجب أن تظل فيه القوات المسلحة على أهبة الاستعداد للدفاع عن البلاد والتصدي لأي اعتداء محتمل، من الضروري أيضًا تعبئة الإمكانات الدبلوماسية كافة للبحث عن مخرج عقلاني من هذا الظرف شديد الحساسية. وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق أهدافها العسكرية، واضطُرت إلى الموافقة على وقف غير رسمي لإطلاق النار، فإن ذلك لا يعني بالضرورة نهاية النزاع؛ فاحتمال استئناف المواجهات قائم. ومع ذلك، فإن خفوت المعارك العسكرية يبرز فرصة مواتية للاستفادة من الأدوات الدبلوماسية المتاحة بعد حرب دامت 12 يومًا.
لكن، ورغم مرور عدة أيام على الإعلان عن توقف العمليات العسكرية، لا توجد مؤشرات واضحة على تصاعد النشاط الدبلوماسي للخروج من هذا الوضع. قد تكون هناك تحركات دبلوماسية تجري خلف الكواليس، لكن غياب الشفافية الإعلامية حال دون طمأنة الرأي العام أو الإشارة إلى الخطوات العملية المتخذة لإدارة هذه الأزمة.
وعليه، يُتوقّع في الأيام المقبلة أن تتزايد الجهود الدبلوماسية، وأن يتم اتخاذ مبادرات جادة لإدارة الأزمة. من شروط نجاح هذه المرحلة تجنب الخطاب العدائي، سواء في وسائل الإعلام أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، خصوصًا تجاه المسؤولين الأمريكيين. ينبغي أن تُبنى المبادرات الدبلوماسية على الواقعية والمصالح الوطنية، بعيدًا عن الانفعال أو الغموض. كما أن الاستفادة من خبرات النخب الوطنية في رسم معالم الخطوات المقبلة أمر لا غنى عنه. وفي هذا السياق، يجب أن تكون قضايا الخلاف المركبة بين إيران والولايات المتحدة مطروحة على طاولة الدبلوماسية.
استفزاز الطرف الأمريكي، لا سيما في ظل قابلية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب العالية للاستفزاز، ليس في مصلحة إيران ولا يخدم أهدافها الوطنية. من بين الخطوات الممكنة للمساعدة على تهدئة التوتر على المدى القصير، تكثيف التواصل مع دول العالم الأخرى، ودعوة الأمين العام للأمم المتحدة لزيارة المنشآت المدنية التي تضررت جراء الهجمات الإسرائيلية في عدة مدن إيرانية.
على الصعيد الداخلي، ينبغي أن تحظى السياسات المحلية بالاهتمام الكافي من قبل صانعي القرار، ويجب إعادة النظر في هذه السياسات بما يشمل تعزيز الحوار مع القوى السياسية الداخلية، ولا سيما المعارضة الوطنية الرافضة للحرب والعدوان الإسرائيلي. كما أن إصدار قرارات بالعفو عن السجناء السياسيين قد يسهم في رفع منسوب الأمل داخل المجتمع، وبالتالي زيادة رأس المال الاجتماعي. ومن الضروري أيضًا تعديل السياسات الإعلامية الرسمية، وتجنب ما قد يعيق المسار الدبلوماسي أو يشعل التوترات، فضلًا عن ضرورة ضبط المنابر والخطابات العامة لمواجهة أي مظهر من مظاهر التطرف.
ينبغي أن تُبنى الجهود الدبلوماسية كافة على هدف واضح، يتمثل في إيجاد حل مستدام للأزمة الراهنة، ورسم مسار نحو اتفاق دائم مع الولايات المتحدة يفضي إلى رفع العقوبات. ففي أعقاب كل حرب، تتجدد الآمال بإمكانية تحقيق السلام، فهل يمكن لإيران أن تنعم بهذا الأمل؟ إن بلدنا اليوم في أمسّ الحاجة إلى بارقة أمل نحو السلام والاستقرار، فالازدهار والتنمية وحل التحديات الراهنة تتطلب تدبيرًا حكيمًا أكثر من أي وقت مضى.
إحسان هوشمند
باحث في الشؤون الإيرانية والكردية والاجتماعية والعرقية