دروس العدوان الإسرائيلي وثغراته وحلوله بعيون إيرانية
انتهى العدوان الإسرائيلي والذي انضمت إليه الولايات المتحدة، على إيران بعد 12 يوماً من بدايته، غير أن آثاره وتداعياته مستمرة وتتمظهر عبر أشكال عدة.

ميدل ايست نيوز: انتهى العدوان الإسرائيلي والذي انضمت إليه الولايات المتحدة، على إيران بعد 12 يوماً من بدايته، غير أن آثاره وتداعياته مستمرة وتتمظهر عبر أشكال عدة. وقد وقع العدوان الإسرائيلي في أجواء من التهديدات وتوقّعات باحتمال مهاجمة إيران، إلا أن إسرائيل تمكنت، مع الدقائق الأولى من بدء العدوان في 13 يونيو/ حزيران الماضي، من تنفيذ هجمات مباغتة، أفضت إلى اغتيال قادة عسكريين بارزين وعلماء نوويين إيرانيين.
وخلال هذا الهجوم، انكشفت نقاط ضعف في إيران كما في إسرائيل. كما حملت هذه المواجهة دروساً وعبر يبدو أن الجانب الإيراني يعمل حالياً على اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير للاستفادة منها لسدّ الثغرات الأمنية، لا سيما في ظل عدم استبعاد جولة مقبلة محتملة من المواجهة. وكان البرلمان الإيراني قد أقر، أثناء الحرب، قانوناً جديداً يهدف إلى تشديد العقوبات على الجواسيس والمتعاونين مع إسرائيل والدول المعادية، ضمن إطار التشريعات المرتبطة بالعدوان الإسرائيلي الأخير.
وينص القانون، المكون من تسع مواد، على اعتبار أي نشاط استخباري أو عملياتي لصالح إسرائيل أو الدول المعادية “إفساداً في الأرض”، وتصل العقوبة القصوى لهذه الجريمة للإعدام. كما يحظر استخدام الأدوات الإلكترونية ووسائل الاتصال غير المرخصة مثل “ستارلينك”، والتواصل مع وسائل الإعلام الأجنبية المعادية أو إرسال أخبار وصور كاذبة لها.
والأحد الماضي أيضاً، أقر البرلمان الإيراني بأغلبية ساحقة قانوناً جديداً ينظم استخدام وملكية الطائرات المسيّرة غير العسكرية، وذلك عقب استخدامها الكثيف من قبل إسرائيل في الهجوم الأخير على إيران. ونص القانون على حظر استيراد المسيّرات المدنية إلا بعد الحصول على موافقة رسمية من الجهات الأمنية والدفاعية، ويُلزم بتسجيل المواصفات الفنية وهوية المالك، حيث تتولى الشرطة إصدار وثائق الملكية الرسمية.
كما منع القانون أي تعامل من قبل الأجانب بموضوع المسيّرات غير العسكرية. وأعلنت الأجهزة الأمنية والشرطة الإيرانية خلال فترة العدوان الإسرائيلي اكتشاف أعداد كبيرة من هذه الطائرات داخل السيارات، وإغلاق عدة ورش للتجميع في محافظات مختلفة. كما أفادت التقارير بالعثور على أكثر من عشرة آلاف طائرة صغيرة في طهران، وتفكيك شبكات متطورة وكشف ورشة صناعية ضخمة في جنوب العاصمة. وخلال العدوان الإسرائيلي شهدت البلاد قيوداً صارمة على الإنترنت الدولي، شملت في بعض مراحلها حجباً كاملاً للشبكة، إلى جانب تعطيل خدمة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وهي قيود ما زالت آثارها قائمة حتى بعد وقف إطلاق النار.
هدف إيران من تقييد الإنترنت خلال العدوان الإسرائيلي
وأوضح الخبير العسكري الإيراني مرتضى موسوي، لـ”العربي الجديد”، أن الهدف الرئيسي من تقييد الإنترنت وحجب الـGPS كان إحباط محاولات فرق الاغتيال والتخريب التابعة للموساد، ومنع الجيش الإسرائيلي من الاستفادة من هذه الخدمات في تنفيذ هجماته الجوية ضد المدن الإيرانية. وأشار إلى أن القنابل الإسرائيلية، مثل “سبايس”، تعتمد بشكل أساسي على “GPS”، الأمر الذي دفع إيران لتعطيله في الأيام الأخيرة للحرب لتقويض فاعلية العدو، مرجحاً إمكانية استمرار الحجب الكامل للخدمة مستقبلاً لـ”دورها المهم في التجسس والقصف”.
ولفت إلى وجود خطط لاستخدام أنظمة بديلة محلية أو روسية وصينية كـ”غلوناس” و”بيدو”، مشيراً إلى رصد معدات “ستارلينك” لدى بعض المجموعات العميلة لتأمين الاتصال الآمن مع الأقمار الاصطناعية في محيط مواقع استراتيجية في البلاد، كما انتشرت فيديوهات عن استخدام ذلك في محيط قواعد عسكرية في كرج وغرب إيران.
من جهته، أشار الخبير الحقوقي الإيراني حميد رضا إبراهيمي، إلى أن المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 تجيز فرض قيود على حرية التعبير وتداول المعلومات في حالات الضرورة عند المساس بالنظام العام، شريطة أن تُفرض هذه القيود عبر مسارات ديمقراطية وقانونية شفافة، تضمن إمكانية الطعن وإعادة النظر لصالح المتضررين.
وشدد إبراهيمي على أن القيود الحالية في إيران التي يقرها “المجلس الأعلى للفضاء السيبراني” دون آليات طعن واضحة أو شفافة، لا تملك مشروعية قانونية كافية، وأدت إلى أضرار، شملت الأعمال التجارية والخدمات الطبية والتعليمية وغيرها، ما يعد انتهاكاً لحرية التعبير وتداول المعلومات.
وبخصوص إمكانية الحد من أضرار القيود التكنولوجية في حالات الحرب، أكد إبراهيمي أنه لا توجد أي تجربة دولية موثقة تقضي بقطع الإنترنت بشكل كلي ودائم حتى في أشد الظروف الأمنية، حيث تلجأ معظم الدول إلى فرض قيود محدودة، زمنياً أو جغرافياً أو على فئات معينة فقط، وتخضع هذه الإجراءات غالباً لرقابة قضائية وتكون قابلة للطعن، بحيث يتم تقليل تأثيرها على حقوق المجتمع وضمان استمرار تدفق المعلومات.
استثمار كل طرف لميزاته القتالية
في هذه الأثناء، قال الخبير العسكري الإيراني وحيد خضاب، إنه من تجارب العدوان الإسرائيلي أن على كل طرف أن يُركّز على استثمار ميزاته القتالية وتقليص قدرة العدو على توظيف نقاط قوته. وأوضح أن إسرائيل تعتمد تاريخياً على ميزتين أساسيتين، القوة الجوية والقدرات الاستخبارية والأمنية، إذ تستخدم هاتين الميزتين أولاً لحماية نفسها من الضربات وثانياً لتوجيه الضرر إلى خصومها بأقصى فعالية ممكنة.
وأشار خضاب إلى أن إيران خلصت إلى ضرورة تقوية قدراتها الهجومية الصاروخية بوصفها ميزتها الأساسية، ولا سيما تطوير الجيل الجديد من الصواريخ الباليستية. ومن الدروس الأخرى، بحسب خضاب، العمل على حل ملفات شائكة قديمة في البلاد تشكل ثغرات أمنية. وأشار إلى أن غالبية الجواسيس الذين تم اعتقالهم كانوا إيرانيين، ولكن كان بينهم أيضاً أجانب، خصوصاً من الجنسية الأفغانية.