من الصحافة الإيرانية: الدبلوماسية وحدها لا تكفي… بل “نوع مختلف منها”

إن العمل الدبلوماسي الجاد مع ترامب قد يسهم في كبح جماح إسرائيل، ومنع تحولها إلى قوة مهيمنة في المنطقة. ويمكن في هذا الإطار الاعتماد على دعم قوى إقليمية أخرى تشارك إيران ذات المخاوف.

ميدل ايست نيوز: أفرزت الاعتداءات التي ارتكبتها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد إيران على مدى 12 يوماً، رغم خطورتها، نقطة إيجابية واحدة، وهي تعميق التلاحم الشعبي وتعزيز دعم المواطنين للنظام السياسي والقوات المسلحة في مواجهة العدو المعتدي، رغم جميع التحفظات. وإذا كان ثمة طرف خاسر سياسياً في الداخل الإيراني جرّاء هذه الاعتداءات، فإنه يتمثل في تلك الفئة التي عبّرت ـ دون خجل ـ عن سعادتها بقصف الوطن. ورغم أن الحديث حول هذين المحورين، وكذلك حول المسار الذي قادنا إلى هذه اللحظة، يطول، إلا أن الأهم والأكثر إلحاحاً في الوقت الراهن هو التركيز على إيجاد مخرج عملي من الحالة الراهنة المليئة بالاضطراب والغموض.

واحدة من أهم الدروس التي يفترض أن تكون قد استخلصتها السلطات من هذه التراجيديا الممتدة لاثني عشر يوماً، والوضع المعلّق الذي تلاها، هي ضرورة إضفاء صفة الأصالة والمحورية على الدبلوماسية، واعتبارها المسار الرئيسي في التفاعل مع القضايا الدولية. ومن واقع تجربتي، التي واكبت السياسة الخارجية الإيرانية لعقود سواء على الصعيد النظري أو التنفيذي، فإن بعض التيارات في البلاد لم تولِ الدبلوماسية أبداً مكانة أساسية، بل استخدمتها فقط عند الضرورة، بل إن بعض هذه التيارات كانت تنظر للدبلوماسية بازدراء.

في المرحلة الحالية، تبرز أمام إيران عدة تهديدات واضحة: احتمال استئناف الاعتداءات، استمرار الحرب بصيغ غير تقليدية في المناطق الرمادية، بقاء حالة التجميد المجتمعي والاقتصادي، غياب الأفق بشأن رفع العقوبات، واستمرار الغموض في ما يخص سوق العمل، الأسواق المالية، والاستثمار. كل هذه التهديدات تأتي في وقت كانت فيه هشاشة البنية الوطنية ومشكلة رأس المال الاجتماعي في البلاد واضحة للعيان حتى قبل الاعتداء الأخير.

ويكاد يكون هناك إجماع كامل بين النخب على أن إيران مطالبة بالتحرك العاجل لإنهاء التوترات الجيوسياسية، والتركيز على معالجة مشكلاتها الداخلية. لقد مررنا بمحطات عديدة حتى وصلنا إلى هذه النقطة، وكانت آخر هذه المحطات، للأسف، إعلان سياسة “ضبط الخصومة” بدلاً من سياسة “خفض التوتر”، والإصرار على أن الخلاف مع الولايات المتحدة هو خلاف جوهري، وذلك في بداية حكومة الدكتور مسعود بزشكيان.

في هذا السياق، من الضروري أولاً أن تقتنع السلطات بأن الدبلوماسية هي السبيل الوحيد للخروج من الوضع الراهن. وثانياً، أن تُفعّل دبلوماسية قائمة على السرعة والنتائج. فقد استمر الجدل حول تخصيب اليورانيوم طوال الـ22 عاماً الماضية، وشهدت هذه الفترة جولات تفاوضية طويلة ومرهقة، فيما بقي الاقتصاد وأهداف التنمية في إيران تحت الضغط، دون أن يتعرض الطرف المقابل لضغوط مماثلة. لذا، ونظراً للظروف الحالية في البلاد ومواقف الأطراف الأخرى، لا بد من اتخاذ قرار واضح: إما تبنّي مسار دبلوماسي مختلف، أو السير في مسار بديل وإنهاء حالة التردد. في الوضع الحالي، حيث تعرّضت المنشآت النووية الإيرانية للهجوم، يجب أن يكون الهدف من الدبلوماسية التوصل إلى اتفاق شامل مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي السلمي، وكافة المسائل العالقة بين البلدين.

ما يجب أخذه بعين الاعتبار في العمل الدبلوماسي هو الفارق في الأولويات بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو. فترامب لم يُخفِ خلال الأشهر الخمسة أو الستة الماضية وجود تباينات واضحة في الرؤى مع نتنياهو، وقد ظهرت هذه الفجوات خلال جولته الإقليمية. فبينما تمثّل “المنطقة” أولوية قصوى ووحيدة لنتنياهو، فإن ترامب يمنحها أهمية ثانوية، ويرى السياسات الخارجية من منظور صراع القوى الكبرى. وتكمن أولويات ترامب في تجاوز ملفات الشرق الأوسط والتركيز على الصين وروسيا وأوروبا. ولهذا، يسعى ترامب إلى الإبقاء على مستوى التغييرات في المنطقة عند الحد الأدنى الذي يخدم مصالحه الشخصية والسياسية، بينما يسعى اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى فرض هيمنته الكاملة على المنطقة وترويع جميع القوى الإقليمية، معتقداً ـ بشكل واهم ـ أن هذا الهدف لا يتحقق إلا عبر المواجهة مع إيران.

من المؤكد أن ترامب لا يسعى إلى تغيير النظام في إيران أو تفكيكه، إذ إنه أولاً يعارض التدخل في شؤون الدول الأخرى وتصدير الديمقراطية، وثانياً، قاعدته الشعبية ترفض بشدة انخراط الولايات المتحدة في مثل هذه المغامرات. وثالثاً، يدرك ترامب أن محاولات تغيير النظام أو تفكيك الدول تخلق ظروفاً لا يمكن التنبؤ بعواقبها، وقد تؤدي إلى زعزعة استقرار مزمن وطويل الأمد في المنطقة بأسرها، بما في ذلك الخليج، وهو ما لن تتمكن الولايات المتحدة من السيطرة عليه. لهذه الأسباب، لم تسعَ الولايات المتحدة في أي وقت إلى تقسيم دول المنطقة، بل عارضت أيضاً استفتاء استقلال كردستان العراق.

لذلك، فإن العمل الدبلوماسي الجاد مع ترامب قد يسهم في كبح جماح إسرائيل، ومنع تحولها إلى قوة مهيمنة في المنطقة. ويمكن في هذا الإطار الاعتماد على دعم قوى إقليمية أخرى تشارك إيران ذات المخاوف.

كوروش أحمدي
دبلوماسي إيراني سابق

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية + إحدى عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى