من الصحافة الإيرانية: هل تصل رسالة طهران إلى باكو؟

يمكن النظر إلى مشاركة الرئيس الإيراني في هذه القمة على أنها اختبار حقيقي لسياسات طهران الإقليمية، وفرصة لتأكيد الخطوط الحمراء الأمنية في وجه باكو.

ميدل ايست نيوز: في وقت فقدت فيه منظمة التعاون الاقتصادي (إيكو) منذ سنوات وزنها وتأثيرها في المعادلات الإقليمية، اعتُبر حضور الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في القمة السابعة عشرة للمنظمة في قره باغ، أبعد من مجرد استجابة بروتوكولية عادية. فالاجتماع الذي ربما كان يكفي أن يُمثَّل فيه على مستوى وزير الخارجية، كان من المتوقع أن يرفض بزشكيان المشاركة فيه، رغم دعوة الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف.

وحسب تقرير لصحيفة شرق الإيرانية الأنظار اليوم متجهة إلى ما إذا كان الرئيس الإيراني سيستغل هذا المنبر لتوجيه تحذير حازم إلى أذربيجان بشأن تعاونها الأمني مع إسرائيل، أم أن مشاركته ستبقى محصورة في الإطار البروتوكولي. فوسط أجواء مشحونة بانعدام الثقة المتبادل، لم تعد العلاقات بين طهران وباكو محصورة في تبادل الرسائل الدبلوماسية أو اللقاءات الرسمية، بل تحوّلت إلى ميدان اختبار للروايات وحسابات الذاكرة الأمنية للنخب السياسية.

وإذا اقتصرت مشاركة بزشكيان في هذا التوقيت الحساس على المجاملات البروتوكولية، فلن تؤدي فقط إلى تجاهل فقدان منظمة إيكو لمصداقيتها، بل قد تُفسَّر، في نظر الرأي العام، كعلامة على ضعف موقف طهران أمام شبكة التعاون الأمني والعسكري بين باكو وتل أبيب. ولذلك، فإن القيمة الحقيقية لهذه الزيارة لن تُقاس بطبيعة المفاوضات الرسمية، بل بدرجة وضوح الرسالة السياسية وصلابة التحذير الموجّه لأولئك الذين يخلطون بين الالتزامات الدبلوماسية ولعب الأدوار في الظل.

إيكو… منظمة مُحيّدة في طريق التلاشي

شهدت منظمة إيكو خلال العقد الأخير تراجعاً ملحوظاً في أدائها الاقتصادي وعجزاً في إدارة المشاريع الإقليمية، ما أدى إلى فقدان دورها المؤثر ضمن النظام الإقليمي لجنوب غرب آسيا. فمن الاتفاقيات المجمّدة في مجال النقل، إلى الغياب المتكرر للقادة عن القمم، تبرز مؤشرات عديدة على أفول دور المنظمة كوسيط فاعل في العلاقات الإقليمية.

وقد تم قبول الدعوة الرسمية التي وجّهها الرئيس الأذربيجاني إلى نظيره الإيراني، في وقت يزداد فيه التشكك لدى الرأي العام ووسائل الإعلام الإيرانية بشأن الدور غير المباشر الذي قد تكون باكو لعبته في أعمال عدائية ضد إيران مؤخراً. وكان من المتوقع أن تكتفي طهران بتمثيل على مستوى وزير الخارجية في هذه القمة، لكن حضور رئيس الجمهورية نفسه يشير إلى تحوّل دبلوماسي واضح في مقاربة طهران للملف.

شبكة خفية للتعاون الأمني بين باكو وتل أبيب

يرى محللون أن العلاقات العميقة بين أذربيجان وإسرائيل، خصوصاً في مجالات تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتوريد الأسلحة، وإنشاء محطات تنصّت، واستخدام أراضٍ لتنفيذ عمليات تخريبية ضد إيران، تمثل اليوم أبرز الهواجس الأمنية لطهران. وتشير البيانات إلى أن أكثر من 60% من احتياجات إسرائيل النفطية تأتي من أذربيجان، في المقابل زوّدت تل أبيب باكو بمليارات الدولارات من الأسلحة المتطورة، ما غيّر جذرياً قدرات أذربيجان العسكرية.

الطائرات المسيّرة، الأقمار الصناعية، وحدود مفتوحة

وثائق وتقارير موثقة تشير إلى تعاون عسكري بين باكو والصناعات الدفاعية الإسرائيلية، يتضمن تزويداً بخرائط دقيقة لمنطقة قره باغ، واستثمارات مشتركة في مجال التسليح، ما يعكس علاقة تتجاوز بكثير الأطر السياسية التقليدية. وبالتزامن مع تصاعد الهجمات بالطائرات المسيّرة على الأراضي الإيرانية، أثار فتح مفاجئ لمعبر أستارا الحدودي بعد سنوات من الإغلاق، موجة من الشكوك والتحليلات الأمنية، لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي وفي أوساط النخب الإيرانية. بعض التقديرات ربطت ذلك بـ”غطاء لوجستي” لعمليات مسيّرة أو لخروج عناصر استخباراتية.

حوار أم شرخ؟

الاتصالات الهاتفية الأخيرة بين كبار مسؤولي البلدين، بمن فيهم الرئيسان ووزيرا الخارجية، وتأكيدهم احترام السيادة الإيرانية، تحمل في ظاهرها رسائل تهدئة دبلوماسية. إلا أن ذلك لم ينجح حتى الآن في رأب الشرخ الحاصل على المستويين التحليلي والنفسي في الداخل الإيراني. فالقلق من احتمال استخدام أراضي أذربيجان للتسلل أو الاعتداء على إيران، لا يمكن تجاوزه بمجرد النفي الرسمي. ومع أن الرئيس الإيراني طلب رسمياً توضيحات من نظيره الأذربيجاني لتأكيد عدم وجود تعاون مع إسرائيل، إلا أن الرأي العام لا يزال ينظر إلى باكو بعين الشك.

اختبار للسياسة الإقليمية لطهران

يمكن النظر إلى مشاركة الرئيس الإيراني في هذه القمة على أنها اختبار حقيقي لسياسات طهران الإقليمية، وفرصة لتأكيد الخطوط الحمراء الأمنية في وجه باكو. فهل ستتمكن أذربيجان، في لحظة مفصلية كهذه، من التراجع عن تحالفها مع إسرائيل لتكون شريكاً مستقلاً وموثوقاً في نظر الإيرانيين؟ أم أن هذه الزيارة ستكون بداية فصل جديد من إعادة تعريف العلاقات الثنائية، في وقت لا تزال فيه الذاكرة الجماعية للمجتمع الإيراني مثقلة بتجارب مؤلمة وغامضة؟

في المحصلة، إذا مرّت زيارة الرئيس الإيراني إلى قمة إيكو من دون موقف واضح ينتقد تعاون باكو الخطر مع تل أبيب، ومن دون المطالبة بضمانات أمنية ملموسة، فقد تُسجَّل في الذاكرة العامة كرمز للتساهل في مواجهة تهديدات جدية. وعليه، فإن هذه الزيارة ليست فقط اختباراً لقدرة الدبلوماسية الإيرانية وسط أجواء مشحونة، بل هي أيضاً مقياس لمدى قدرة طهران على تحويل مخاوفها الأمنية إلى تحذيرات صريحة بلغة المجتمع الدولي.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

19 − أربعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى