بعد تجربته مع إيران.. هل يصلح “غروسي” لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة؟

لا يمتلك غروسي أي خبرة تنفيذية على مستوى الحكومات أو المؤسسات الإنسانية، كما أن أدائه في ملفات مثل إيران أظهر استعداده للانخراط في لعبة المحاور وتفضيل طرف بعينه.

ميدل ايست نيوز: خلال الأشهر الأخيرة، تزايد تداول اسم رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في الأوساط الدبلوماسية كأحد أبرز المرشحين المحتملين لخلافة أنطونيو غوتيريش في منصب الأمين العام للأمم المتحدة.

وكتبت وكالة مهر للأنباء في تقرير، أنه على خلاف العديد من التكهّنات المبنية على تحليلات إعلامية وتقديرات غير رسمية، فإن حالة غروسي تميّزت بتصريحات مباشرة وصريحة ومتكررة، توحي بوضوح بأنه يعكف على تقييم الأوضاع تمهيدًا لدخول سباق سياسي في أعلى هيئة دولية.

وكان أول تعبير علني عن هذا التوجه قد برز في مايو 2023، خلال مقابلة له مع صحيفة “تلغراف” البريطانية، حيث قال: “تمّ طرح اسمي كمرشح لمنصب الأمين العام، وهذا الأمر جعلني أفكّر جديًا بالأمر”. ورغم تأكيده آنذاك على أنه لا يزال يركّز على مهمته الحالية في الوكالة، فإن هذا التصريح الضمني، في رأي مراقبين دوليين، عُدّ تمهيدًا لاختبار ردود الأفعال الدولية.

الملف النووي الإيراني؛ نقطة ضعف دبلوماسية لغروسي

على مدى السنوات الماضية، اتخذ غروسي في ما يخصّ البرنامج النووي الإيراني مواقف تجاوزت الطابع الفني المحايد المفترض للوكالة، ومالت بوضوح نحو مواقف سياسية. فبينما تتمثل الوظيفة الجوهرية للوكالة في إعداد تقارير فنية دقيقة وموضوعية، تحوّلت تقارير غروسي المتكررة، التي كانت تصدر تزامنًا مع اجتماعات مجلس المحافظين أو خلال مفاوضات سياسية حساسة، إلى أدوات ضغط سياسي على إيران.

ففي تقارير عامي 2023 و2024، على سبيل المثال، تناول غروسي مزاعم العثور على جزيئات يورانيوم مخصّب بنسبة مرتفعة في إيران، قبل إثبات مصدرها علميًا، ما أدّى إلى تأجيج التوترات قبيل صدور قرارات ضد طهران من مجلس المحافظين. وقد اعتبر مسؤولون إيرانيون ومحللون هذا السلوك نوعًا من التماهي مع سياسات الغرب.

وتحوّل هذا النهج المنحاز لاحقًا إلى أرضية لمنح شرعية سياسية لإجراءات عدائية. فعقب نشر تقرير مثير للجدل في يونيو 2025، تناول فيه تقليص مستوى تعاون إيران مع الوكالة، وقعت خلال أقل من أسبوع هجمات عسكرية شنّتها كلٌّ من إسرائيل والولايات المتحدة ضد منشآت نووية وعسكرية داخل إيران.

وما كان يُفترض أن يكون نقطة ارتكاز لغروسي في طموحه الدولي، أي الملف النووي الإيراني، تحوّل إلى وسيلة لإظهار ولائه للقوى الغربية، لكن هذا الولاء كان ثمنه باهظًا على مكانته العالمية. فقد فشل في الحفاظ على الدور التقليدي والمحايد للوكالة، وأصبح عنصر توتر وأزمة، حتى إنّ بعض المحللين باتوا يعتبرون أن فرص نجاحه في سباق الأمانة العامة للأمم المتحدة ضعيفة بسبب خلفيته السياسية وانعدام الثقة به على نطاق واسع.

لماذا لا يرتقي غروسي إلى مستوى غوتيريش؟

عند مقارنة غروسي بأنطونيو غوتيريش، الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، الذي شغل سابقًا منصب رئيس وزراء البرتغال والمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يتبيّن أن غروسي يفتقر إلى الخبرة التنفيذية الواسعة والمشروعية الأخلاقية والحياد الشامل التي يتطلبها هذا المنصب.

فغوتيريش شخصية لعبت أدوارًا محورية في قضايا الأزمات الإنسانية، والحروب، والهجرة، والتغير المناخي، والنظام متعدد الأطراف. ولم يكن فقط سياسيًا على المستوى الوطني، بل اتخذ مواقف شاملة ووسيطية في قضايا حقوق الإنسان والأزمات الاجتماعية، وهي ميزات جعلت من منصب الأمين العام شخصية عابرة للتحزبات والمناطق والقطاعات.

أما غروسي، فهو لا يمتلك أي خبرة تنفيذية على مستوى الحكومات أو المؤسسات الإنسانية، كما أن أدائه في ملفات مثل إيران وكوريا الشمالية وأوكرانيا أظهر استعداده للانخراط في لعبة المحاور وتفضيل طرف بعينه.

في النهاية، يمكن القول إن غروسي، رغم إلمامه بالنظم الدولية وخبرته في التفاوض الفني، لا يرقى إلى مستوى وحجم ومتطلبات منصب الأمين العام للأمم المتحدة. فهذه المؤسسة بحاجة إلى شخصية ذات رصيد أخلاقي كبير، وحياد بارز، وفهم عميق لمفاهيم التنمية المستدامة، والسلام العالمي، وحقوق الإنسان، لا إلى مدير ساهمت تقاريره المسيسة والمنحازة في تصعيد التوترات العسكرية وتقويض الثقة بالمؤسسات الفنية.

طموحات غروسي، رغم بروزها بشكل أوضح بعد انحيازه للغرب، تبدو في الظروف الراهنة أشبه بحلم بعيد المنال.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

19 − واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى