من الصحافة الإيرانية: هل غيرت تجربة الحرب مع إسرائيل عقلية القوى السياسية داخل إيران؟

عاد الملف النووي من جديد إلى الساحة السياسية الإيرانية، لكن هذه المرة لم يعد الوزن السياسي للقوى المهيمنة مرتبطًا بقدرتها على إثبات الطابع السلمي للنشاط النووي، بل بدورها في الردع.

ميدل ايست نيوز: مع بداية الألفية الثانية من القرن الواحد والعشرين، كان التهكّم من ردود فعل الغرب تجاه الملف النووي الإيراني وتجاهل الإرادة الدولية أحد عناصر الاستثمار السياسي لبعض التيارات الداخلية في إيران. وفي العقد المقبل، أصبح حلّ الخلاف النووي مع الغرب، وتحقيق مكاسب اقتصادية عامة من خلاله، عاملاً معدّلاً لمعادلة السلطة، وهي المعادلة التي مكّنت حسن روحاني من قضاء ثمانية أعوام في مبنى رئاسة الجمهورية.

وكتبت صحيفة “هم‌ميهن” الإيرانية أن نهج روحاني ـ ظريف اعتمد على الدبلوماسية كوسيلة سلمية لحل الخلاف النووي، في مواجهة مسار الإهمال الذي ميّز الحكومة السابقة، وكان الاتفاق النووي (رغم ما وُجه إليه من انتقادات) ثمرة هذا التوجّه.

لكن مع دخول دونالد ترامب على خط الأزمة وطرحه مطالب جديدة تطرقت إلى أبعاد أخرى من الخلاف غير المحسوم مع إيران، اشتعلت نيران تحت الرماد. وإذ كانت إيران تعتبر القضية قد سُوّيت، امتنعت عن التفاعل مع إدارة ترامب ورفضت العودة إلى طاولة التفاوض.

ونتيجة لذلك، انهالت العقوبات الأميركية الأحادية على جسد الاقتصاد الإيراني المنهك، ومع كل دفعة جديدة من العقوبات، أصبحت حياة الإيرانيين أشدّ قسوة، إلى حدّ أنّ الاقتصاد ضاق خلال ثلاث سنوات بشكل أفقد الاتفاق النووي آثاره المعيشية، كما تلاشت قيمة 23 مليون صوت منحها الإيرانيون لروحاني في مايو 2017. وخلال هذه الفترة، استعاد التيار السياسي المنافس، الذي كان قد تراجع بفعل النجاح النسبي للاتفاق، نشاطه، ومهّد طريقه نحو السلطة عبر تقويض القاعدة الشعبية للحكومة القائمة.

ومع ذلك، بحلول يونيو 2021، لم يعد الملف النووي يحتل نفس الأهمية السياسية الحاسمة، رغم استمرار جوانب الخلاف، وأصبح تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات تعبيرًا عن خيبة الأمل تجاه الوعود الاقتصادية التي لم تتحقق. وهكذا، جاءت رئاسة إبراهيم رئيسي نتيجة حالة الإحباط السياسي التي عمّت الشارع. لكن حكومة رئيسي، التي لم يكن أمامها سوى نمط الإهمال الذي مارسه أحمدي نجاد في معالجة الملف النووي، فشلت، رغم قبضتها الواسعة على السلطة، في توظيف الدبلوماسية بشكل فعّال لإقناع الرئيس الأميركي الديمقراطي بإغلاق هذا الملف.

وقد مثّلت الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 محطة مفصلية جديدة في مسار الخلاف النووي بين إيران والغرب. غير أن نتائجها لم تكن في صالح إيران، إذ سلّم بايدن، الذي تبنّى نهج المصالحة، مفاتيح البيت الأبيض لترامب البراغماتي. وبات المشهد مكوّنًا من مسعود بزشکیان وترامب ومنطقة شرق أوسط تغيّرت معالمها منذ السابع من أكتوبر. وبهذا، انزلق الملف النووي نحو مسار أزمة، وبلغ طورًا جديدًا في 13 يونيو 2025 بعد الهجوم العسكري الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية.

ومع انقضاء المرحلة الانفعالية الأولى للحرب، يتضح أن مجلس الشورى الإسلامي قد أقرّ “قانون إلزام الحكومة بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية”. ومن مجمل هذه التطورات، يُستنتج أن التجربة لم تُسهم في ترسيخ الواقعية داخل المشهد السياسي الإيراني، بل على العكس، زادت من الثقل الأيديولوجي للتيارات الفاعلة فيه، إلى درجة أن الثنائية السابقة “الدبلوماسية ـ الميدان” أفسحت المجال أمام ثنائية “الميدان الهجومي ـ الميدان الدفاعي”.

وبالتالي، عاد الملف النووي من جديد إلى الساحة السياسية الإيرانية، لكن هذه المرة لم يعد الوزن السياسي للقوى المهيمنة مرتبطًا بقدرتها على إثبات الطابع السلمي للنشاط النووي، بل بدورها في الردع. ومن البديهي أن الردع يشكّل ركيزة أساسية لضمان الأمن القومي لأي دولة. غير أنّ السؤال المطروح هو: هل لدى المطالبين بتغيير العقيدة النووية لإيران ضمانات بأن النموذج الذي يقترحونه ليس ردّة فعل انفعالية، بل خطوة مدروسة تصبّ في مصلحة الأمن القومي؟ يبدو أن الجواب سلبي، ما لم يُعاد تعريف نموذج صناعة القرار على أسس المدرسة الواقعية. ولذلك، وفي ظلّ غياب حتى الحدّ الأدنى من الواقعية السابقة، ربّما يكون من الحكمة عدم الانخراط في ردود أفعال متسرعة حيال هذا الملف.

 

آرش ملكي
باحث في القانون الدولي

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر − خمسة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى