لماذا أوقفت إيران التعاون مع الوكالة الذرية؟ وماذا يعني ذلك لبرنامجها النووي؟

في سابقة لم تحدث منذ انسحاب كوريا الشمالية قبل عقدين، تهدد إيران الآن بالخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي، فهل نشهد قريباً تفكك النظام العالمي لمنع انتشار الأسلحة النووية؟

ميدل ايست نيوز: في سابقة لم تحدث منذ انسحاب كوريا الشمالية قبل عقدين، تهدد إيران الآن بالخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي، فهل نشهد قريباً تفكك النظام العالمي لمنع انتشار الأسلحة النووية؟

صادق الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الأربعاء، على قانون يُلزم الحكومة بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في خطوة تُنذر بتصعيد جديد في الملف النووي الإيراني.

ويفتح هذا القرار الباب أمام احتمال انسحاب طهران من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، وهو سيناريو لم يحدث منذ انسحاب كوريا الشمالية، ما يثير مخاوف من تداعيات جيوسياسية واسعة.

جاءت الخطوة بعد أيام قليلة من تصويت البرلمان الإيراني على مشروع القانون، في أعقاب تقرير شديد اللهجة من المدير العام للوكالة، رافائيل جروسي، اتهم طهران فيه بعدم الامتثال لالتزاماتها، وهي اتهامات ردت عليها طهران بغضب واعتبرتها “تمهيداً لهجمات أميركية وإسرائيلية” طالت مواقع نووية إيرانية.

في السطور التالية نلقي الضوء على مدى أهمية هذه المعاهدة وتأثيرها على برنامج إيران النووي، والمخاوف العالمية والإقليمية من هذا الانسحاب المحتمل لإيران من هذه المعاهدة.

1) ما هي معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية؟

تعتبر هذه المعاهدة العمود الفقري للنظام العالمي لمنع انتشار الأسلحة النووية، ودخلت حيز التنفيذ عام 1970، حيث نصت على أن الدول النووية الخمس (الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا والصين) تقيد استخدام أسلحتها، في مقابل التزام الدول غير النووية بعدم تطويرها، مع تمكين الأخيرة من استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

كما تمنح مادة في المعاهدة حق الانسحاب بعد إشعار مسبق بثلاثة أشهر إذا شعرت إحدى الدول أن مصالحها الأساسية مهددة وهو ما قد تسعى إيران إلى فعله الآن.

وقال محمد شعت، الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية لـ”الشرق”، إن أي تعاون مستقبلاً مع الوكالة سيكون مشروطاً بضمانات، حسبما أوضحت طهران. وبالتالي فإن هذه الخطوة من جانب إيران تعتبر “ورقة تفاوضية” في المقام الأول لتعزيز موقفها السياسي وأدواتها في مواجهة واشنطن وتل أبيب، بحسب شعت.

2) لماذا قررت إيران وقف التعاون مع الوكالة، مع التهديد بالتخلي عن التزامها بالمعاهدة؟

جاء هذا القرار كرد على تقرير انتقد أنشطة إيران النووية واتهمها بعدم الوفاء بالتزاماتها، وهو التقرير الذي اعتبره الإيرانيون “أداة لتبرير هجمات غربية وإسرائيلية” على مواقعهم النووية. إذ وصف وزير الخارجية عباس عراقجي تقرير الوكالة بأنه “منحاز، وذو نوايا خبيثة”، مؤكداً أن الوكالة صمتت عن الاعتداءات الجوية، ما جعل التقرير “تواطؤاً ضمنياً”. إضافة إلى ما وصفه بـ”تقاعس” الوكالة عن إدانة الاعتداءات التي استهدفت منشآت نووية داخل إيران.

مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب يقترب من 120 كيلوغرام - المصدر: بلومبرغ
مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب يقترب من 120 كيلوغرام – المصدر: بلومبرغ

وأشار عراقجي إلى أن الأنشطة النووية الإيرانية لا تزال خاضعة لإشراف الوكالة، مؤكداً أن الموقف الحالي يعكس ما اعتبره “ازدواجية في المعايير” في تعامل الوكالة مع إيران مقارنةً ببرنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي.

وأضاف أن إسرائيل، ليست عضواً في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وقد خالفت، حسب تعبيره، القوانين واللوائح الدولية على مدار السنوات الماضية.

ويمنع القانون الإيراني الجديد إجراء أي تفتيش أو تركيب كاميرات أو إرسال تقارير إلى الوكالة، إلا بعد موافقة مسبقة من المجلس الأعلى للأمن القومي، وهذا التعليق سيظل سارياً حتى “تُضمن سلامة المنشآت وطهارة السيادة الوطنية”.

3) ما الدول التي رفضت الانضمام للمعاهدة، ولماذا؟

حظيت المعاهدة بتوقيع 191 دولة حول العالم، لكن أربع دول بارزة لم تلتحق بها، هي: إسرائيل، الهند، باكستان، وجنوب السودان، إضافة إلى كوريا الشمالية التي انسحبت عام 2003.

وتعتمد إسرائيل على سياسة “الغموض النووي” ولا تعترف رسمياً بامتلاكها أسلحة نووية، رافضة أي رقابة.

أما الهند وباكستان فاعتبرتا المعاهدة “تمييزية” لأنها تمنح الحق للدول النووية قبل 1967 فقط ببقائها كدول تمتلك سلاحاً نووياً.

وكانت كوريا الشمالية عضواً ثم انسحبت معللة قرارها بتهديد الأمن القومي، وفور انسحابها طوّرت تجربة نووية علنية.

4) ماذا يعني الانسحاب المحتمل لإيران من المعاهدة إقليمياً ودولياً؟

على الصعيد الإقليمي تنذر خطوة الانسحاب بتفكيك رقابة الوكالة وتسهيل تخصيب اليورانيوم بنسب قريبة من الاستخدام العسكري، خصوصاً بعد الأضرار التي لحقت بمنشآت في “فوردو” و”نطنز”، حيث تُخزّن طهران نحو 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصَّب حتى 60%.

كما أن الانسحاب سيُضعف آليات التفتيش الدولية، ويمنح إيران حرية أكبر في توسيع برنامجها النووي، ما قد يُطلق سباق تسلّح نووي في المنطقة ويقوض النظام العالمي للحد من انتشار الأسلحة النووية.

أما على الصعيد الدولي، فالانسحاب الإيراني من المعاهدة سيكون أول نموذج منذ عام 2003، مما يربك المنظومة الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية. وقد يؤدي إلى إعادة فرض عقوبات دولية، وربما تدخل عسكري لاستباق تطوير سلاح نووي.

في هذا السيناريو، ستكون طهران أمام خيارين صعبين: إما التصعيد الكامل، أو العودة إلى التفاوض بشروط أكثر صرامة.

5) هل يمكن أن تُخترق الهدنة بين إسرائيل وإيران حال انسحاب إيران من المعاهدة؟

الأمر غير مستبعد تماماً، فانسحاب إيران من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية قد يفتح الباب أمام اختراق محتمل أو حتى انهيار تام في الهدنة بين إيران وإسرائيل، والتي تعاني من علامات الهشاشة والضعف بالفعل، وذلك لأسباب استراتيجية وأمنية تتعلق بموازين الردع الإقليمي.

وتعتبر تل أبيب هذه المعاهدة إحدى أدوات الردع غير المباشر، وضمانة لعدم اقتراب طهران من العتبة النووية. وفي حال خرجت إيران من مظلة الرقابة الدولية، فقد ترى إسرائيل أن أمامها “نافذة زمنية ضيقة” لتوجيه ضربة استباقية لمنع طهران من امتلاك سلاح نووي، وهو ما يفتح الباب أمام تصعيد عسكري مباشر، وعودة للمناوشات العسكرية.

وقدم عضوان في الكونغرس مشروع قانون من شأنه، في حال إقراره، منح الرئيس دونالد ترمب صلاحية نقل قاذفات الشبح B-2 وقنابل “بنكر باستر” الخارقة للتحصينات إلى إسرائيل، في حال ثبت أن إيران لا تزال تطور سلاحاً نووياً. ويحمل مشروع القانون اسم “بنكر باستر أكت” (Bunker Buster Act).

في المقابل، قد تستخدم إيران هذا الانسحاب كأداة ضغط وردع، ملوحة بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات تتجاوز الاستخدام السلمي. وقد يفسر هذا التصعيد إسرائيلياً وأميركياً على أنه تحدٍ خطير يتطلب تحركاً عاجلاً. وفي ظل غياب الثقة والتجارب السابقة، فإن فرص العودة إلى التهدئة ستتقلص بشكل حاد.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الشرق - بلومبيرغ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة عشر − ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى