بين السلام والسلاح… هل تعود إيران إلى طاولة المفاوضات؟
تَعتبر إيران التراجع في زمن الحرب علامة "ضعف"، وهذه الرؤية قد تكون أكبر عقبة أمام استئناف المسار الدبلوماسي في المستقبل القريب.

ميدل ايست نيوز: أدى العدوان الإسرائيلي والأميركي على المنشآت النووية الإيرانية إلى توقف نسبي في برنامج التخصيب، إلا أنّ مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60% لا يزال الورقة الرابحة بيد طهران في ساحة التفاوض الدبلوماسي.
وفي حين كانت المفاوضات غير الرسمية بين طهران وواشنطن تهدف إلى خفض التوترات النووية، شنت إسرائيل مطلع 13 يونيو المنصرم، عدواناً واسعاً على المنشآت النووية الإيرانية، مستهدفةً مواقع نطنز وفوردو وأصفهان. ووفقاً لمصادر غربية وإيرانية رسمية، تسببت هذه الهجمات في إلحاق أضرار جسيمة بالبُنى التحتية الحيوية لعمليات التخصيب. وفي ظل الوضع الفني الهش الذي بات عليه البرنامج النووي الإيراني، يبرز تساؤل جوهري: هل ستتجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية نحو خيار التفاوض، أم ستسارع إلى إنتاج السلاح النووي؟
لا شك أن الهجمات الإسرائيلية والأميركية الأخيرة صاحبها أضرار كبيرة ظهرت على الملأ عبر صور الأقمار الصناعية، لكنها لا تعني “تدميراً كاملاً” لقدرة إيران على تخصيب الوقود النووي، إذ يبدو أن تقدم البرنامج النووي قد توقف مؤقتاً، لكن لا يزال بالإمكان إعادة تنشيطه.
يتوافق هذا الاستنتاج مع ما توصلت إليه بعض الجهات الاستخباراتية الغربية. فرغم الضربة التي تعرضت لها، لا تزال إيرات تحتفظ بجزء من مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي مادة يمكن رفع تخصيبها إلى المستوى التسليحي في وقت قصير، إذا اتُخذ القرار السياسي بذلك.
اليورانيوم المخصب بنسبة 60%: ورقة تهديد أم ضمانة؟
تحوّل ما تبقى من مخزون اليورانيوم المخصب إلى الورقة الأساسية التي تعتمد عليها إيران حالياً، إذ تعتبر الأخيرة هذا المخزون رمزاً لفشل أعدائها وأهداف عدوانهم على إيران، وأداة ضغط دبلوماسي أيضاً. فالتهديد بالانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) والتلميحات غير المباشرة إلى القدرة على تصنيع قنبلة نووية، تشكل جزءاً من تكتيك الضغط لانتزاع تنازلات في ظل الظروف الحرجة.
في المقابل، تنظر إسرائيل وبعض المسؤولين الأمريكيين إلى هذه المخزونات على أنها تهديد مباشر، ويطالبون باتخاذ خطوات وقائية إضافية. هذا المنطق هو ما مهد للعدوان الأخير، ويبدو أنه مع استمرار إيران في المضي نحو سياسة تخصيب اليورانيوم، فإن الهجمات سواء إسرائيلية أم أميركية قد تتكرر وربما أشد من المرة السابقة.
رؤيتان متباينتان
تشير المعطيات أن هناك رؤيتين عامتين تسيطران على المشهد السياسي في إيران. الرؤية الأولى يتبناها أنصار التفاوض مع الولايات المتحدة، الذين يرون أن بإمكان إيران أن تثبت حسن نيتها من خلال وقف تطوير برنامجها النووي والدخول في حوار مباشر مع واشنطن، بل إن بعضهم يقترح القبول بالرقابة الفنية الأمريكية.
تعتمد هذه المقاربة على فرضية أن الاتفاق المباشر مع أميركا يمكن أن يعيد بعض الامتيازات التي وفّرها الاتفاق النووي السابق، مع الإبقاء في الوقت ذاته على قدر محدود من التخصيب.
في المقابل، هناك رؤية أخرى بدأت تكتسب مؤيدين حتى من بين بعض المخالفين، وهي تعتبر أن الهجوم الإسرائيلي كشف عن حاجة إيران الماسة إلى قدرة ردع نووية، وتدعو إلى تسريع الوصول إلى السلاح النووي.
ومن هذا المنطلق، فإن تعليق التخصيب لا يُعد مجرد تنازل، بل يُنظر إليه على أنه خطأ استراتيجي يرتكبه بلد مستهدف.
التحديات الفنية: ما مدى بُعد إيران عن القنبلة النووية؟
استناداً إلى المعطيات الفنية، تمتلك إيران أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، إلى جانب عدد من أجهزة الطرد المركزي المتبقية، ما يجعلها قادرة نظرياً على إنتاج المواد اللازمة لصنع قنبلة نووية خلال بضعة أسابيع. إلا أن التحدي الأكبر يكمن في تصنيع الرأس الحربي النووي وتركيبه على صواريخ باليستية، وهو مجال ما تزال قدرات إيران فيه محل شك.
ويرى خبراء أنه لا يمكن الجزم حالياً بأن إيران تمتلك القدرة على تصنيع رأس نووي يمكن تركيبه على صاروخ. لكن مجرد امتلاكها لليورانيوم عالي التخصيب يمنحها أداة للتهديد الاستراتيجي.
وبينما نفذت إسرائيل هجماتها بشكل مفاجئ ودقيق، لا تزال الولايات المتحدة تُبقي الباب مفتوحاً أمام المسار الدبلوماسي. إلا أن السياسة المعلنة لواشنطن باتت تتغير، إذ حذر بعض المسؤولين الأمريكيين من أنه إذا واصلت إيران المسار الفني أو السياسي نحو القنبلة، فإن “جميع الخيارات مطروحة على الطاولة”.
سيناريوهات محتملة
في ظل الوضع الحالي، تطرح عدة سيناريوهات ممكنة، منها أن تحاول إيرات، مع الحفاظ على جزء من قدراتها، العودة إلى التفاوض مع الغرب. لكن وفقا للمسؤولين الإيرانيين، فإن “طهران لن تُقدم على هذه الخطوة إلا إذا التزمت الولايات المتحدة بوقف الاعتداءات الإسرائيلية”.
ومن جهة أخرى، قد تتجه إيران نحو خيار تطوير السلاح النووي في حال استمرار التهديدات. لكن هذا الخيار محفوف بتحديات فنية ومخاطر دولية عالية، وقد تصبح الهجمات السيبرانية، وأعمال التخريب، والعمليات المحدودة في المنطقة، هي الاتجاه السائد في المرحلة المقبلة، دون وجود أي اتفاق في الأفق.
ورغم هشاشة الوضع الحالي وعدم وجود أي ورقة رسمية تضمن استمرار وقف إطلاق النار، لا تزال طهران تملك أوراقاً، من ضمنها مخزونات اليورانيوم، وبرنامجها الصاروخي، وبعض القدرات التقنية، والدعم المحدود من روسيا والصين، والأهم من ذلك القدرة على المناورة السياسية في الأزمات. إلا أن المجتمع الدولي بات أكثر تشدداً إزاء أنشطتها، والضغوط لكبح البرنامج النووي الإيراني أصبحت أكبر من أي وقت مضى.
ولا بد من الإشارة إلى أن إيران تعتبر التراجع في زمن الحرب علامة “ضعف”، وهذه الرؤية قد تكون أكبر عقبة أمام استئناف المسار الدبلوماسي في المستقبل القريب.
اقرأ أكثر
“الوعد الصادق 3” تشعل الجبهة وتغلق باب التفاوض.. هل انتهت صلاحية الدبلوماسية؟