جدل في إيران بشأن دور “واتساب” في اغتيال القادة الإيرانيين
ربما يكون "واتساب" وأجهزة التنصت أدوات خطيرة، لكنها ليست سوى جزء من منظومة أكبر، والتركيز عليها فقط قد يصرف الأنظار عن مواقع الاختراق الحقيقية.

هذه الدعوة أثارت تساؤلات مثل: هل تمكّن الإسرائيليون فعلاً من الوصول إلى معلومات حساسة عن القادة الإيرانيين؟ وهل كان هناك “جاسوس رقمي” في جيوبهم؟ ومن ناحية أخرى، خلقت انطباعاً بأنّ التعامل مع نقاط الضعف الأمنية كان سطحياً وأنّ القضية يجري تبسيطها.
واتساب: أداة تحديد مواقع واغتيال؟
جاءت تصريحات اللواء غلام رضا جلالي، الرئيس السابق لمنظمة الدفاع المدني، ضمن نفس السياق الذي يعتبر الهواتف المحمولة وشبكات التواصل الاجتماعي أدوات مركزية في عمليات التجسس. فقد أعلن أنّ تطبيق “واتساب” لعب دوراً محورياً في تحديد موقع واغتيال إسماعيل هنية.
وبحسب جلالي، فإن التطبيق يقدّم معلومات عن مواقع المستخدمين بطريقة غير مباشرة، وقد استُخدم من قبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية للتعرف على الأهداف وتنفيذ الاغتيالات.
اللواء حاجي زاده: أطفئوا هواتفكم
أعادت تصريحات جلالي إلى الأذهان تحذيرات سابقة للواء أمير علي حاجي زاده حول خطورة الوسائل الإلكترونية، لا سيما الهواتف المحمولة. ففي إحدى تصريحاته، أشار إلى حجم المعلومات التي تم اختراقها، مؤكداً أنّ العدو يستمع حتى إلى المكالمات الهاتفية لبعض القادة. وأضاف: “علينا أن نعترف بأن الأساليب الكلاسيكية لحماية المعلومات لم تعد فعالة كما كانت”.
وأشار إلى أنّ “القائد قاسم سليماني كان يقوم بتبديل شريحته وهاتفه كل أسبوعين، مؤكداً على أهمية إطفاء الهواتف من قبل القادة”.
السيد حسن نصرالله: الهواتف أدوات تجسس
مواقف مشابهة عبّر عنها السيد حسن نصرالله، الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني، حيث قال في إحدى خطاباته: “معظم المصائب التي أصابتنا كانت بسبب الهواتف المحمولة. إسرائيل لم تعد بحاجة إلى جواسيس، فهي ترى كل المدن والشوارع والمجاهدين عبر الإنترنت”.
وأضاف نصرالله: “الهواتف المحمولة التي تحملونها تكشف مواقع قادتنا، يجب أن تعلموا أن اتصالاتكم كلها مراقبة. أرجو منكم أن تحرصوا على أمن الآخرين”.
ردّ لافت من ابنة اللواء شادماني
لا يمكن تجاهل التأكيد المتكرر من قادة الحرس الثوري على خطورة الوسائل الإلكترونية، لا سيما بعد العمليات الإرهابية التي وقعت في لبنان، لكنه لا يعني بالضرورة أن العوامل الأخرى، خصوصاً الاختراقات البشرية، لا دور لها. فالتركيز الزائد على الهواتف وشبكات التواصل الاجتماعي أثار مخاوف من أن يتم التغافل عن الأسباب الأعمق للاختراقات الأمنية.
هذا القلق تجلّى في ردّ ابنة اللواء علي شادماني، المسؤول السابق لمقر خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري وأحد ضحايا العدوان الصهيوني، على تصريحات جلالي حول “واتساب”، حيث شددت على أن “المسألة أكبر من مجرد تطبيق واحد”، مطالبة بعدم تضخيم دور “واتساب” وحده ونسيان الأصل، أي قضية التجسس بحد ذاتها. ودعت إلى تتبّع واكتشاف العملاء الذين ربما سهّلوا تسريب المعلومات.
وقد لاقى موقفها تفاعلاً واسعاً في وسائل الإعلام وشبكات التواصل، ما يعكس قلقاً حقيقياً لدى المجتمع من التقليل من خطورة الوضع الأمني وعدم اتخاذ الإجراءات الكافية لمعالجته. منشورها يُظهر أن الاعتراض لا يقتصر على عامة الناس، بل يشمل أيضاً نخباً أمنية ترى أن التفسيرات الحالية غير مقنعة.
تحليلات الإعلام: التكنولوجيا أم العنصر البشري؟
وقد ركّزت وسائل الإعلام الإيرانية خلال الأيام الماضية على الجدل الدائر حول تحميل تطبيقات المحادثة الأجنبية المسؤولية عن الاختراقات. ففي حين اعتبرت الصحف الإصلاحية في إيران أن هذا التركيز يخفي الأبعاد الأعمق للاختراق المعلوماتي، شدّدت صحف مثل “كيهان” و”وطن امروز” على خطورة أدوات الاتصال الأجنبية وطالبت بمنع القادة من استخدام الإنترنت وتطبيقات المراسلة بشكل كامل. في المقابل، ذهبت شخصيات مثل محمد جواد لاريجاني إلى اقتراح فرض قيود أشد على شبكة الإنترنت.
أما الإعلام الدولي فقد تعامل مع المسألة بمنظور أوسع، مشيراً إلى أبعاد أخرى للاختراقات، مثل ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز عن “مزيج من التجسس البشري، والتنصت على الإشارات، والتعاون مع بعض المصادر الإقليمية” في تنفيذ هذه العمليات.
وسائل التواصل والواقع الاستخباري
لا شكّ في أنّ التطبيقات، خصوصاً الأجنبية منها، قد تُستخدم لجمع بيانات حساسة، لكن خبراء أمنيين يشيرون إلى أنّ الخطر الأكبر عادة ما يأتي من “ضعف تدريب الأفراد”، و”الفشل في التصدي للهندسة الاجتماعية”، و”الثغرات البشرية”.
وبعبارة أدق، ربما يكون “واتساب” وأجهزة التنصت أدوات خطيرة، لكنها ليست سوى جزء من منظومة أكبر، والتركيز عليها فقط قد يصرف الأنظار عن مواقع الاختراق الحقيقية.
تبسيط المسألة أم فتح ملف حقيقي؟
بالمجمل، يبدو أن التركيز المفرط على “واتساب” وأمثاله لا يمكن أن يفسّر وحده الكم الكبير من المعلومات التي تسرّبت، والاغتيالات، والخسائر الأمنية التي وقعت خلال الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل. التحدي المطروح اليوم يتمثل في ضرورة مراجعة البنية الأمنية، وتحسين تدريب الكوادر، والكشف عن العناصر المتغلغلة التي تندسّ في صميم مراكز القرار والتنفيذ الإيراني.