قسم جديد في سجن دامون الإسرائيلي للمتهمين بالتجسس لصالح إيران
بين جدران سجن الدامون وبواباته الحديدية حيث الأقسام محاطة بكاميرات أمنية لمراقبة الأسيرات والأسرى الفلسطينيين، افتتح مؤخراً قسم جديد نتيجة لظاهرة بدأت تقلق المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وهي التجسس والعمل لصالح إيران.

ميدل ايست نيوز: بين جدران سجن الدامون وبواباته الحديدية في إسرائيل، حيث الأقسام محاطة بكاميرات أمنية لمراقبة الأسيرات والأسرى الفلسطينيين، افتتح مؤخراً قسم جديد نتيجة لظاهرة بدأت تقلق المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وهي التجسس والعمل لصالح إيران. ليس نزلاء القسم الجديد أسرى لـ”حماس” أو “الجهاد الإسلامي” أو غيرها من الفصائل الفلسطينية، بل مواطنون إسرائيليون بعضهم من دون ماضٍ أمني أو جنائي، أدينوا بالاتصال مع عملاء استخبارات إيرانيين. وعلى ضوء توسع الظاهرة التي تكشّف بعض جوانبها في الفترة الأخيرة، اضطرت مصلحة السجون، وفقاً لما أورده موقع “واينت” اليوم السبت، إلى افتتاح قسم جديد منفرد لاحتجاز هؤلاء بظروف مشددة جداً في منشأة محاطة بحراسة دائمة تدعى “القسم 21″، أو القسم الإيراني.
وحتّى وقت قليل، كان هؤلاء موزعون على سجون الاحتلال المنتشرة شمالاً وجنوباً وفي الوسط. غير أن عددهم الكبير، فضلاً عن الحساسية الأمنية والخشية من تسريب معلومات حساسة، أفضى إلى افتتاح قسم منفرد في إحدى منشآت السجن، فيما يُحاط الإسرائيليون داخله بحراسة ومراقبة على مدار الساعة.
وقد وُضعت كاميرات داخل الزنازين، يخضع موظفوها الثابتون لموافقات أمنية خاصة تؤهلهم للعمل. يُحيط بالمنشأة جدار عالٍ، ولا يُسمح بالزيارات أو المكالمات الهاتفية، أمّا الرسائل المكتوبة المنقولة من هناك إلى الخارج، فتخضع هي الأخرى لرقابة شديدة، ولا تنقل إلا بعد التأكد من خلو محتواها من المعلومات الحساسّة.
في ساحة القسم، علّقت لافتة ضخمة تحمل صورة قصف لأحد المواقع في إيران مذيلة بشعار “إيران الجديدة”، وهي لافتة شبيهة بتلك التي دأبت مصلحة السجون على تعليقها في أقسام الأسرى الفلسطينيين، ولكن تلك اللافتات تحمل صور الدمار واسع النطاق في قطاع غزة.
“جواسيس بالفعل”
يُكرّس المعتقلون جزءاً كبيراً من وقتهم في الزنازين لكتابة التماسات للمحكمة، معظمها بهدف تحسين ظروف احتجازهم. في البداية، قورنت ظروفهم بظروف الأسرى الفلسطينيين، لكن مؤخراً بدأ بعضهم بتقديم التماسات في محاولة لتغييرها، وقد قبلت المحكمة المركزية بعضها.
وفي السياق، يلفت موقع واينت إلى أن مصلحة السجون تدرك أن ما يجري ليس مجرد حالات فردية، بل ظاهرة متنامية تتطلب نهجاً مختلفاً تجاه تهديد إسرائيلي داخلي غير مألوف؛ إذ أوضح قائد السجن زوهار تسرفاتي، في مقابلة مع الموقع: “نحن نتحدث عن فئة سكانية مختلفة تماماً عن أي فئة أخرى عرفناها حتى الآن. هؤلاء ليسوا إرهابيين (مقاومين) من الأراضي الفلسطينية، بل مواطنون إسرائيليون، وُلدوا وعاشوا هنا، وبعضهم أناس عاديون قرروا تغيير ولاءاتهم. اعترف بعضهم بصلاتهم بالمخابرات الإيرانية، وبعضهم نقل معلومات بالفعل. هذه خيانة للدولة، وأنا شخصياً أعتبرهم جواسيس بالفعل”.
خلافاً للأقسام الأمنية الأخرى، فإن “الحديث هنا عن شبان أذكياء يعرفون القواعد جيداً”، كما يوضح تسرفاتي، مشيراً إلى أنّ هؤلاء “متطورون ومتلاعبون ويعرفون كيفية التصرف تحت الرادار، وجدنا لدى بعضهم أدوات وقد عرفوا كيف يخفونها، وهو ما يتطلّب منا الحفاظ على مستوى يقظة مرتفع ودائم، حتّى عندما يبدو الوضع هادئاً”.
ورداً على سؤال وجهه الموقع يربط بين ظاهرة العمالة لإيران بالأسباب المادية، اعتبر قائد السجن أن “الادعاء غير مقبول. بل هو خيانة بكل ما للكلمة من معنى، فمجرد الاتصال بعميل أجنبي هو خيانة، فقد فتح هؤلاء الأشخاص الباب للعدو، وليس مهماً كم تلقوا مالاً مقابل ذلك، فقد باعوا دولتهم”. وأضاف: “لا نعرف في الواقع، ولكن يُحتمل أن معلومات نقلها هؤلاء قد أسهمت في مساعدة إيران خلال الحرب الأخيرة”، في إشارة إلى الحرب التي فتحتها إسرائيل على إيران في 13 يونيو/ حزيران الماضي واستمرت 12 يوماً.
وفي ما يخص علاقة الطاقم مع هؤلاء الأسرى، فإن “الأمر ليس سهلاً” كما تصفه مصلحة السجون للموقع. وبحسب أحد الضباط، فإنه “ليس من السهل النظر في أعينهم. فهم يتحدثون مثلك (بالعبرية)، ولا يختلفون عنك في المظهر، لكنك تعلم أنهم اختاروا العمل ضدك. يتطلب الأمر صلابة ومناعة نفسية. وينبغي على الطاقم الذي يتعامل معهم الحفاظ على تركيزه، وعدم الانجراف وراء عواطفه”.
طبقاً للموقع، فإن الحرب مع إيران زادت الأمر تعقيداً، فكما ينقل عن قائد السجن، خلال سقوط أحد الصواريخ، توجه أحد الشبان الإسرائيليين السجناء إليه بالسؤال: “قل لي أكلُ شيء بخير في البلاد؟”. بحسب تسرفاتي، لم يكن الشاب يعرف أن الحرب قد اندلعت، ولكنه سمع أصوات الانفجارات وأدرك أن شيئاً ما يحصل. وعندئذ، لم يتمكن أحد الحراس من متابعة عمله؛ “حيث نظر في أعين أولئك الذين أدينوا بتمرير معلومات للعدو في الوقت الذي كان صواريخه تتساقط علينا. التعامل مع الأمر ليس سهلاً على الإطلاق”.
وفي الإطار، ينقل الموقع عن السجانة المُشار إليها بالحرف “لام”، وهي فقط في العشرين من عمرها، قولها إنه “في الواقع، هذا القسم مختلف كلياً، ونحن قد اختلفنا بالاتساق معه. فنحن لسنا سجانين فحسب، بل خط دفاع، وحين يجري الحديث عن تهديد من الداخل، تصبح المسؤولية أكبر. هذه حرب على السيادة، ونحن جزء منها، حتّى لو كان الأمر يحدث بصمت وراء الأبواب الموصدة”. وبحسبها، فإنه “خلال الحرب على إيران، أظهر بعضهم مشاعر الفرح بسقوط الصواريخ، وعندها تأكدت أن ليس كلّهم تجسسوا بدافع مادي. في النهاية، لم يعرفوا ما الذي فعلته إسرائيل بإيران، ولكنني أعرف وهذا هو الفارق”.
فئة جديدة: “أسرى أمنيون خاصون”
أحد الشبان المحتجزين في السجن هو إردلر (يسرائيل) أمويال (23 عاماً) من القدس، كان قد اعتقل بشبهة العمل بتوجيه من مسؤول إيراني. وفقاً للشبهات، اشترى كاميرا، وصوّر مقاطع فيديو، وبحث وراء معلومات حول اقتناء مسدس ومواد لصنع عبوة ناسفة، حتى إنه عرض على مشغله استهداف منشآت حساسة. ومؤخراً، منحته المحكمة تنازلاً عدّته الصحيفة “غير عادي” لتحسين ظروف سجنه، بينها زيادة عدد وجباته الغذائية، وثلاث سجائر في اليوم.
وبسبب كثرة الالتماسات المقدمة للمحكمة لتحسين ظروف اعتقال هؤلاء السجناء، بدأت مصلحة السجون تصنفهم قانونياً أنهم “أسرى أمنيون خاصون”، وقد صدّق على التعريف الجديد مفوّض مصلحة السجون كوبي يعكوفي، إذ صنف هؤلاء خارج الفئات المألوفة للسجناء الأمنيين أو الجنائيين، وبالتالي وضعت سلة منفصلة من القيود عليهم، وبينها حصولهم على 500 شيكل شهرياً فقط من عائلاتهم، وستة كتب فحسب في الشهر توافق مصلحة السجون عليها بناءً على محتوياتها.
داخل القسم، يشكو المعتقلون أنفسهم من ظروف قاسية للغاية. وطبقاً لما ينقله الموقع عن آشر بنيامين فايس، من بني براك، وهو معتقل في القسم، فإنه “يُحتجز في زنزانة خانقة وحارة مدة 23 ساعة يومياً، من دون مكيف، مع صراصير، ومن دون دُش، وبصحبته ستة معتقلين آخرين في زنزانة لا تحتوي إلا على ثلاثة مقاعد وطاولة منخفضة ارتفاعها 30 سم”. ويطالب فايس مصلحة السجون بتوفير طاولة بارتفاع معقول وكراسي ذات مساند ظهر تسمح “بالجلوس وتناول الطعام بطريقة حضارية”.
يصف معتقلون آخرون “مشاكل” مماثلة. فقد زعم أمويال أنه منذ اعتقاله في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يُحتجز في ظروف “لا مثيل لها في أي سجن في العالم”، بلا تلفزيون أو زيارات، وحتّى إنه اشتكى من سوء الطعام. وادعى أرتيوم زولوتريف، وهو من “نوف هجليل”، وجود نقص حاد في الملابس قائلاً إنه “لا يملك سوى قميصين وزوجي جوارب وبنطالين دافئين، وهي في العموم ملابس غير مناسبة لحر الصيف”.
أما ألكسندر صديقيكوف من حيفا، فقد طلب من مصلحة السجون إعطاءه ثلاث سجائر يومياً، على غرار زميله فايس في الزنزانة، قائلاً بحسب الموقع: “أدخن منذ 50 عاماً، ومن الصعب جداً عليّ العيش من دون سجائر”.
إلى ذلك، أفضى التعريف القانوني الجديد للمعتقلين الإسرائيليين، الذي صيغ في أعقاب أحكام قضائية أقرت بضرورة تمييزهم عن السجناء الأمنيين الفلسطينيين، إلى تغيير في سياسة الاحتجاز وصياغة مجموعة مختلفة من الحقوق؛ حيث وُضعت قائمة محددة بالمنتجات التي يُمكنهم شراؤها من مقصف السجن، بينها البسكويت والأحذية الرياضية وجوارب “ديادورا” والعسل والسجق والفطائر وكعكات الشوكولاتة، فضلاً عن رقائق الذرة والقهوة التركية.
من جهته، تطرّق وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى ظروف احتجاز المتهمين، وقال: “يجب أن يكون حكم جواسيس إيران مماثلاً لحكم مقاتلي النخبة (من حماس). أتوقع من بعض المحاكم أن تتبنى سياستي، وهي عدم التسامح مطلقاً مع العدو وعملائه. أدعم مفوض مصلحة السجون كوبي يعقوبي الذي يُطبّق سياسة الوزير المسؤول عنه، وقد حوّل السجون من مخيمات صيفية إلى سجون حقيقية”.