عام على رئاسة بزشكيان.. حصيلة متقلبة بين الحرب والاحتواء الاجتماعي

يبدو أن ذهن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان منشغل خلال الشهرين المقبلين أيضًا بآلية الزناد الأوروبية التي تلوّح بها الدول الأوروبية، وهي آلية تُهدّد بإعادة العقوبات.

ميدل ايست نيوز: أدى تزامن يوم 5 يوليو الجاري، الموافق ليوم العاشر من محرم، وتداعيات حرب الـ 12 يوما بين إسرائيل وإيران، إلى تغييب الذكرى السنوية الأولى للانتخابات الرئاسية الإيرانية المفاجئة التي جرت مطلع يوليو من العام الماضي.

يذكر أن مسعود بزشكيان، مرشح التيار الإصلاحي – الذي تمكن، بشكل مفاجئ وبفضل توجيه من المرشد الأعلى لتغيير الأجواء السياسية في البلاد، من اجتياز فلترة مجلس صيانة الدستور – قد فاز في جولتي الانتخابات المتتاليتين في 28 يونيو و5 يوليو 2024، ليُصبح رسميًا الرئيس التاسع للجمهورية الإسلامية الإيرانية، رغم أن ولايته بدأت فعليًا في 2 أغسطس من العام نفسه.

خلال أيام الحرب الأخيرة، وجّه كل من المحافظين المؤيدين لمنافسه سعيد جليلي، والمعارضين الذين قاطعوا الانتخابات، انتقادات لاذعة قائلين: “ألم تزعموا أن انتخاب فلان سيقود إلى الحرب، وأن الآخر كان سيمنعها؟ فلماذا اندلعت الحرب إذًا؟”

والواقع أن بزشكيان بذل كل ما في وسعه لتجنّب الدخول في الحرب، حتى أنه تمكن من إقناع القادة الكبار بالموافقة على التفاوض – ولو بشكل غير مباشر – مع الولايات المتحدة، رغم التحفظات الأولية.

صحيح أن الهجوم الإسرائيلي وقع في منتصف المفاوضات، وقبل يومين فقط من الجولة السادسة من المحادثات بين عباس عراقجي وستيف ويتكوف في سلطنة عمان، لكن تخيّلوا لو أن هذا الهجوم وقع في ظل رفض إيران التام للتفاوض. ألم يكن يُقال حينها إن الحرب اندلعت بسبب رفض طهران التفاوض وأنها صدّت المبادرة الأميركية؟

كذلك يجب التنويه إلى أن الرئيس هو في الوقت نفسه رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، وبالتالي يمكن تصوّر كيف كانت ستسير الأمور لو لم يكن بزشكيان في هذا المنصب، خصوصًا في ما يتعلق بكيفية التعامل مع مبادرة وقف إطلاق النار والوساطة التي قدّمها دونالد ترامب، رغم أن إدارته كانت طرفًا في الهجوم.

شهد العام الأول من رئاسة بزشكيان أحد أكثر الفصول اضطرابًا في تاريخ إيران المعاصر، وليس فقط في حقبة الجمهورية الإسلامية. ومن أبرز قراراته العامة عدم الانخراط في تنفيذ قانون الحجاب والعفاف، وهو ما ساهم في تجنب موجة توتر جديدة ربما كانت ستكون أكثر حدة من أحداث 2022. ومن دون شك، لو وقعت تلك المواجهة الاجتماعية، لما كان بالإمكان تحقيق مستوى التماسك الوطني الذي برز خلال أيام الحرب.

صحيح أن تعيين الكوادر الإدارية سار بوتيرة بطيئة، وأن وعودًا كثيرة لم تتحقق، كما أن خروج شخصية مثل محمد جواد ظريف من الحكومة مثّل انتكاسة، إلا أن ما جرى خلال الحرب الأخيرة يسلّط الضوء على أهمية مواقف الرئيس الإيراني، والتي يبدو أنها اتُخذت على خلفية إدراكه لاحتمال المواجهة.

وفي الذكرى السنوية الأولى لانتخاب بزشكيان، يمكن اعتبار وجوده في منصبه مكسبًا، خاصة في ظل الأوضاع الراهنة، حيث يصعب تخيل أن التماسك الشعبي خلال الحرب كان سيتحقق في غيابه.

ينبغي ألا ننسى أن صوته قد كان خافتًا خلال تلك الأيام، إلا أن وزير خارجيته هو من كان يجوب العواصم، والحكومة التي حالت دون حرمان المواطنين من احتياجاتهم الأساسية خلال الحرب، كانت حكومته.

لكن كل ذلك لا يعفي بزشكيان من التزامات مستقبلية. ومن الحد الأدنى المتوقع منه، أن يستجيب للمطالب التي رفعها إليه رئيس “بيت الأحزاب الإيرانية”، وفي مقدمتها العفو عن المعتقلين السياسيين، وكذلك متابعة المسار الدبلوماسي، إذ لا يمكن تجاوز المخاوف من دون التفاوض، خصوصًا إلى جانب الحاجة إلى تعزيز الدفاعات الجوية، وكشف الجواسيس، وتطوير الجهوزية الأمنية.

في ظروف أكثر استقرارًا، كان يمكن التركيز على قضايا مثل رفع الحجب عن الإنترنت، ومعايير التعيينات، لكن الأولوية الآن هي في الحفاظ على البلاد بعيدًا عن شبح الحرب وتفادي اندلاعها مجددًا.

يبدو أن ذهن الرئيس منشغل خلال الشهرين المقبلين أيضًا بآلية الزناد الأوروبية التي تلوّح بها الدول الأوروبية، وهي آلية تُهدّد بإعادة العقوبات، لكن يجدر التذكير بأن العام بأكمله مرّ عليه بأصعب أحواله. فالمتشددون المحليون، رغم أنهم لا يهاجمونه علنًا، يستخدمون كل حدث ذريعة للنيل منه، لأنهم لا يرغبون في أن تمسك زمام المبادرة بيده. ومع ذلك، بات لرئيس الجمهورية دور متزايد ضمن المجلس الأعلى للأمن القومي، لا سيما بعد الحرب.

وقبل عام، ساهمت الزيادة في نسبة المشاركة الانتخابية في ترميم جزء من الفجوة بين الشعب والسلطة، وهي الفجوة التي بدأت منذ انتخابات شتاء 2019، وبلغت ذروتها في ربيع 2021، ثم انفجرت في احتجاجات خريف 2022. وقد أظهرت الحرب الأخيرة بوضوح أن المضي في سياسة “التطهير السياسي” كان سيؤدي إلى نتائج كارثية.

ورغم كل ذلك، يبقى أن الحرب كشفت عن أن إيران، وإن كانت قد نجحت في إيصال رسائل ردع بالصواريخ والطائرات المسيّرة إلى القوى الإقليمية والدولية، إلا أنها لا تزال بحاجة ماسّة إلى تعزيز قدراتها في الجوانب اللوجستية، وأنظمة الاستخبارات والعمليات السيبرانية، إضافة إلى التنسيق الاستراتيجي، بما يستدعي التحديث والتكامل الكاملين.

مهرداد خدير
صحفي إيراني

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
ميدل ايست نيوز
المصدر
صحيفة هم ميهن الإيرانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر − واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى