إيران… الصحافة الأصولية تهاجم بيانا يطالب بتغيير “نمط الحكم” في البلاد

إيران في وضع لا يمكنها فيه تكرار الماضي ولا يمكنها الاستمرار بالحالة الراهنة. إذا كان من المقرر حدوث تغيير، يجب السماح لسماع كل الأصوات، حتى تلك التي كان أصحابها جزءاً من النظام سابقاً.

ميدل ايست نيوز: وسط أزمات اقتصادية خانقة في إيران، وتعطّل السياسة الخارجية، وضغوط غير مسبوقة على معيشة الإيرانيين، صدر بيان من الداخل الإيراني يدعو إلى تغيير جذري في نمط الحكم وإعادة النظر في السياسات العامة للبلاد. لكن رد فعل وسائل الإعلام المحافظة لم يكن نقداً للأفكار المطروحة، بل هجوماً على ماضي الموقعين، وكأن من سبق لهم السلطة فقدوا حتى حق التنبيه والتحذير.

وكتب موقع رويداد 24 في تقرير، أنه لا يمكن إنكار أن الظروف المعقدة الراهنة، من حالة الارتباك في السياسة الخارجية بين الدبلوماسية والحرب، إلى الأزمات الاقتصادية المتكررة التي تضيق على حياة الإيرانيين، تسببت في مشكلات اجتماعية كثيرة، ويجب التفكير بجدية في كيفية الخروج من هذه الأزمة. ولهذا السبب، دعا عدد من الخبراء المخضرمين في مجال السياسات الاقتصادية، في بيان حديث، إلى تغيير نمط الحكم وإصلاح العلاقات مع دول العالم، والابتعاد عن المسارات الفاشلة السابقة. لكن هذا البيان قوبل على الفور بهجمات عنيفة من وسائل الإعلام المحافظة، التي بدا أنها تحاول تجاهل جوهر المشكلة واستخدام الهجوم كذريعة لإسكات الأصوات الناقدة.

في هذا السياق، وصفت صحيفة “جوان” في عددها الصادر اليوم الموقعين على البيان بأنهم “مُؤسسو الوضع الراهن” واعتبرت مقترحاتهم “عودة إلى المأزق”.

البيان المثير للجدل وغضب وسائل الإعلام المحافظة

حذر خبراء متخصصون في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية في إيران مثل عباس آخوندي، ومسعود نيلي، ومحمد ستاري فر، وحسين عبده تبريزي، وفرهاد نيلي في بيانهم من انسداد سبل الإصلاح في الحكم، وكتبوا: “للخروج من الحالة المتوترة الراهنة، من الضروري إعادة إحياء الدبلوماسية النشطة والتفاعل البنّاء مع الغرب.”

لكن صحيفة “جوان”، في عنوانها الحاد “مؤسسو تغيير النمط، هم مَن صنعوا الوضع الحالي”، لم تقبل الاقتراحات فحسب، بل سعت إلى التشكيك في الأهلية الأخلاقية والتنفيذية لهؤلاء الموقعين. اتهمت هذه الصحيفة أمثال آخوندي بمسؤولية أزمة السكن، ونيلي بأنه سبب الركود بعد الاتفاق النووي، والآخرين بالفساد في عمليات الخصخصة.

بجانبها، انتقدت صحيفة “خراسان” المحافظة، رغم تعاملها الأكثر عقلانية مع البيان، هؤلاء المختصصين وقالت: “معظم النقاط الواردة في البيان معقولة وحتى ضرورية. لكن المشكلة تكمن في أن وراء هذه العبارات منطق وعقليات إما فاشلة أو أصبحت قديمة تماماً في عالم متسارع التغير. لذلك، نشير إلى ثلاث محاور رئيسية.”

ووضعت الصحيفة المحاور تحت عناوين: “الحصار ليس فقط نتيجة أزمة سياسية”، “لا ننسى الذاكرة التاريخية للسياسات”، و”لا يمكن تجاهل الحرب الإعلامية للعدو”. وكتبت: “بيان ‘وقت تغيير النمط’ يبدو في ظاهره وعداً بالإصلاح والعودة للعقلانية، لكنه في جوهره استمرار للعقليات التي جُربت مراراً وفشلت. من الغفلة تجاه الطبيعة الجيوسياسية للحصار على إيران، إلى تجاهل إخفاقات الماضي، وأخيراً، التهوين من أثر الحرب الإعلامية، كلها تظهر أن هذا البيان ليس نقطة تحول مستقبلية بل تكرار لوصفات فشلت سابقاً.”

أصل الأزمة، ومن يتحمل المسؤولية؟

السؤال الأهم هنا: إذا كان بيان “تغيير النمط” هو عودة إلى الماضي، فما هو المستقبل إذًا؟ ومن هو الفريق الحاكم الآن، وما هي نتائج حكومتي الدورة الثالثة عشرة والرابعة عشرة خلال عامهما الأول؟ تظهر الإحصائيات الرسمية أن التضخم وهروب رؤوس الأموال والركود وأزمة المعيشة لم تنحسر بل تفاقمت في الأشهر الأخيرة. وفي هذه الظروف، الهجوم على أي محاولة للإصلاح يشبه أكثر الدفاع الأعمى عن الوضع الراهن بدلاً من النقد البناء.

ورد في البيان أيضا: “اقتصاد إيران بحاجة إلى تغيير جذري في رؤية الحكم، وإعادة تعريف العلاقة مع العالم، وإتاحة المجال للنخب الجديدة، والابتعاد عن السياسات المثيرة للتوتر في السياسة الخارجية.” هذه المفاهيم ليست وصفة من الماضي، بل اعتراف بضرورة تجاوز الأساليب غير الفعالة التي اتبعت خلال العقود الأخيرة، بما في ذلك الحلول الاقتصادية المبنية على عزلة عن الواقع العالمي.

هل يمكن تغيير النمط دون نقد الماضي؟

يعكس موقف صحيفة “جوان” نوعاً من إغلاق باب النقد، مفاده “من كان في السلطة سابقًا، لا يحق له النقد.” لو قبلنا هذا المنطق، فلن يكون من حق من في الحكومة حالياً التحذير في المستقبل، لأن جزءاً من الوضع الراهن يعود إلى أدائهم الحالي.

في الوقت نفسه، أظهرت التجربة العالمية أن العديد من الإصلاحات الأساسية تأتي أحياناً من داخل بنية النظام ذاته، وليس فقط من معارضيه.

إذا كان النقد للماضي ممنوعاً، فكيف يمكن الإصلاح؟

بيان تغيير النمط، بغض النظر عن الموقعين عليه، يحتوي على أفكار جديرة بالاهتمام. فاقتصاد إيران بحاجة إلى مراجعة شجاعة في السياسات، سواء من الجيل القديم للإدارة أو الجديد. الهجمات الإعلامية على هذه المحاولات قد تدل على خوف التيارات الحاكمة من أي صوت مخالف، حتى وإن كان من داخل النظام نفسه.

في الحقيقة، إيران في وضع لا يمكنها فيه تكرار الماضي ولا يمكنها الاستمرار بالحالة الراهنة. إذا كان من المقرر حدوث تغيير، يجب السماح لسماع كل الأصوات، حتى تلك التي كان أصحابها جزءاً من النظام سابقاً. السؤال هنا: إذا كان نقد الماضي ممنوعاً، فمن سيصلح المستقبل؟

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى