بن سلمان بين طهران وترامب.. ما رسالة زيارة عراقجي إلى السعودية؟
تمثل الزيارة غير المتوقعة لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى السعودية ولقاؤه بولي العهد ووزير الدفاع السعودي إشارة واضحة على عودة الدبلوماسية الإقليمية النشطة.

ميدل ايست نيوز: تمثل الزيارة غير المتوقعة لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى السعودية ولقاؤه بولي العهد ووزير الدفاع السعودي إشارة واضحة على عودة الدبلوماسية الإقليمية النشطة؛ وهي دبلوماسية تسعى فيها إيران والسعودية، بدلًا من المواجهة، إلى إعادة تنظيم العلاقات في ظل النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط.
زيارة عراقجي ولقاؤه بمحمد بن سلمان ووزير الدفاع السعودي، بينما لا تزال المنطقة تحت تأثير تداعيات الحرب التي استمرت 12 يومًا بين إيران وإسرائيل، تحمل في طياتها رسالة مهمة مفادها سعي البلدين إلى ترسيخ مسار خفض التوتر وإعادة تعريف العلاقات ضمن إطار النظام الإقليمي المستجد.
وقد جاءت هذه الزيارة بعد أيام فقط من الاجتماع السري بين وزير الدفاع السعودي ودونالد ترامب في البيت الأبيض، والذي تناول الملف الإيراني وسبل خفض التوترات الإقليمية. وفي أعقاب ذلك مباشرة، أجرى المسؤولون السعوديون اتصالات مع إيران، في خطوة نادرة تعكس تحوّلًا استراتيجيًا في موقف الرياض تجاه الجمهورية الإسلامية.
الموقف المزدوج للسعودية من الحرب بين إيران وإسرائيل
خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا، اتخذت السعودية، خلافًا لتوقعات بعض الأوساط المتشددة، موقفًا حذرًا ولم تنضم إلى صف الدول الداعمة لإسرائيل، بل تبنت موقفًا متوازنًا بعيدًا عن المواجهة المباشرة مع إيران. وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام السعودية لم تعلن دعمها لطهران، إلا أنها لم تصوّر الحرب كصراع ثنائي محض بين إيران وإسرائيل، على غرار الرواية الإسرائيلية.
ويعكس هذا الموقف إدراك السعودية التام لتبعات الدخول في صدام مباشر أو حتى لفظي مع إيران في مرحلة ما بعد الحرب. بل إن ولي العهد السعودي شدّد خلال لقائه بوزير الخارجية الإيراني على أن “القيادة السعودية عازمة على مواصلة تطوير العلاقات مع إيران في جميع المجالات… وحفظ أمن المنطقة رهين بالتعاون والتفاهم بين دولها”.
الأهمية الاستراتيجية لزيارة عراقجي إلى السعودية
تأتي هذه الزيارة في وقت تمر فيه طهران والرياض بمرحلة دقيقة، إذ انتقلتا من مرحلة التصعيد العلني، بوساطة صينية، إلى مرحلة تثبيت العلاقة. زيارة عراقجي لا تُعد حدثًا دبلوماسيًا عاديًا، بل حلقة رئيسية ضمن سلسلة جهود إيران لإعادة بناء علاقاتها الإقليمية بعد حرب مكلفة لكنها فارقة.
في الواقع، لقاء عراقجي بمحمد بن سلمان بعد اتصالات وزير الدفاع السعودي بترامب يشير إلى توازن استراتيجي جديد تسعى إليه الرياض، إذ تريد الحفاظ على علاقاتها مع واشنطن، وفي الوقت نفسه تجنّب الدخول في مواجهة مع طهران. وهذا هو التوازن الدقيق الذي يخدم استقرار الخليج في الظرف الراهن.
دور السعودية في المفاوضات النووية
على مدار السنوات الماضية، اتخذت السعودية موقفًا حذرًا مشروطًا من المفاوضات النووية الإيرانية. فرغم مخاوفها المعلنة من البرنامج النووي الإيراني، إلا أنها ربطت مواقفها العملية بسلوك إيران الإقليمي ومستوى التوتر مع الغرب.
ومع بروز مؤشرات على احتمال استئناف الحوار بين إيران والولايات المتحدة، يبدو أن السعودية تميل إلى لعب دور الميسّر، لا المعرقل. وتكتسب هذه المقاربة أهمية مضاعفة بعد أن أظهرت إيران قدرتها على الردع خلال الحرب الأخيرة.
تغيّر قواعد اللعبة: من اتفاقات إبراهيم إلى الدبلوماسية الإقليمية
لم تعد السعودية، كما في السابق، تابعًا مطلقًا للمشاريع الأمريكية والإسرائيلية المناهضة لإيران. فزيارات المسؤولين السعوديين الأخيرة إلى واشنطن، رغم التطرق إلى مسألة التطبيع مع إسرائيل، لا تعكس بالضرورة نية الرياض في تشكيل تحالف جديد ضد إيران، بل تشير إلى سعيها للحصول على تنازلات متبادلة من كل من طهران وواشنطن.
وتردّد الرياض في الانضمام الجاد إلى اتفاقات إبراهيم، مقابل تعزيز مسار الدبلوماسية مع إيران، يدل على أن تهديد التوسع الإسرائيلي وحالة عدم الاستقرار الناتجة عن الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، قد دفعت الدول العربية إلى التفكير في توازنات إقليمية جديدة.
هل عاد العرب إلى إيران؟
تدل المؤشرات الجديدة على أن إيران، بعد تجاوزها الحرب والتوترات الحادة، باتت تملك فرصة جديدة لإعادة تعريف دورها في الشرق الأوسط. فزيارة عراقجي، واستمرار الاتصالات مع الرياض، وترحيب محمد بن سلمان بتطوير العلاقات، إضافة إلى الدور النشط لطهران في مجموعتي بريكس ومنظمة شنغهاي، قد تمهّد الطريق أمام إيران لتكون فاعلًا حاسمًا في النظام الإقليمي الجديد.
مستقبل العلاقات بين طهران والرياض لا يعتمد فقط على الدبلوماسية، بل هو نتيجة مباشرة لتغير موازين القوى في المنطقة. وفي ظل هذا الواقع، ينبغي على إيران أن تتجاوز ردود الأفعال، وتتحرك بذكاء لتكون فاعلًا مبادرًا في محيطها الإقليمي.