من الصحافة الإيرانية: العزلة الإيرانية والتيارات المتشددة
في ظل هيمنة التيارات المتشددة على الإعلام الإيراني، تنفصل الحقيقة عن وعي المسؤولين، وتضيع فرص اتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب.

ميدل ايست نيوز: نفت السفارة الصينية في إسرائيل في بيان لها صحة التقارير التي تحدثت عن نقل معدات تصنيع صواريخ أو منظومات دفاع جوي إلى إيران. وأكدت السفارة في بيانها أن بكين، “وفقاً لمبادئها وقواعدها الخاصة، لا تصدّر الأسلحة إلى الدول المنخرطة في الحروب، كما أنها تُخضع صادرات المنتجات ذات الاستخدام المزدوج لرقابة صارمة”.
وأضاف البيان: “باعتبار الصين عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإنها تتبنى نهجاً حذراً ومسؤولاً في تصدير السلع ذات الصلة بالقطاع العسكري”. ومنذ اللحظة الأولى لنشر هذا الخبر على موقع “ميدل إيست آي”، كان واضحاً أنه غير صحيح، إذ إن مصدر الخبر لم يكن موثوقاً من جهة، ومن جهة أخرى لم يكن الخبر منسجماً مع السياسات المعروفة للصين.
الموقف الصيني من الحرب بين إسرائيل وإيران هو ما جاء في بيان سفارتها في تل أبيب. ومع ذلك، لم تتجرأ وسائل الإعلام المستقلة المحلية على التشكيك في صحة الخبر، لأنها كانت ستُتهم فوراً من قبل التيارات المتشددة بأنها “تلعب في ملعب أمريكا وإسرائيل”! هذه التيارات المتشددة، التي تهيمن على الفضاء الإعلامي في إيران منذ عقود، جعلت من الساحة الإعلامية مرتعاً للأخبار الكاذبة وغير الدقيقة، وأي تشكيك أو نقد لهذه الأخبار يواجَه باتهام “دعم العدو”.
وعندما تتخذ الصين هذا الموقف تجاه خبر يتعلق بإرسال منظومات دفاعية إلى إيران، فلا حاجة لمزيد من الأدلة على العزلة التي تعانيها البلاد. فالرثاء لعزلة البلاد لا يحل المشكلة ولا يفك عقدتها. المطلوب من المسؤولين إنقاذ إيران من هذا الوضع، وهذا يتطلب فهماً دقيقاً وصائباً للظروف الداخلية والإقليمية والدولية، بالاستناد إلى مصادر موثوقة.
لكن للأسف، هذا المبدأ البديهي يواجه خصوماً شرسين داخل البلاد. فبعض الأوساط اعتادت على تضليل نفسها والمسؤولين عن قصد أو عن غير قصد، وفي كل لحظة حرجة، تستند إلى تصريحات لمسؤولين أمريكيين أو أوروبيين سابقين، أو إلى تقارير صحفية عالمية هامشية، لتغرق الساحة بضباب من الشك والتضليل يمنع رؤية الواقع بوضوح. ولا تكتفي هذه الأوساط بذلك، بل تهاجم بشدة أي إعلام مستقل يطرح رواية مختلفة، وتلجأ إلى التهديد والتشهير لإسكات هذه الأصوات.
وفي ظل هيمنة هذه التيارات على الإعلام الإيراني، تنفصل الحقيقة عن وعي المسؤولين، وتضيع فرص اتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب. والسؤال المطروح: إلى أين سيصل هذا المسار؟
مع بداية الحرب التي استمرت 12 يوماً، أبدت مختلف فئات المجتمع الإيراني حساً بالمسؤولية، وكتمت مشاعر الاستياء، وأظهرت نوعاً من التضامن المدني، كي يتمكن المسؤولون من التعامل مع الحرب وتداعياتها واتخاذ القرارات المناسبة من دون القلق من الاعتراضات المعتادة. لكن هذه الأوساط نفسها استهدفت اليوم هذا التضامن المدني بأشد العبارات، بل وصلت إلى حد تهديد الرئيس وطاقمه، خصوصاً وزير الخارجية، خشية أن تُتخذ قرارات لا تتماشى مع مصالحهم ورغباتهم.
إنهم لا يرون في أنفسهم سوى أصحاب الحق المطلق، وبعضهم يعتبر نفسه فوق أي قانون أو قاعدة، وكأن البلاد أصبحت ملكية خاصة مسجلة باسمهم، وليس للشعب فيها أي نصيب! وقد جرى التنبيه مراراً إلى خطورة هذه الجماعات في “يوم المحنة”.
إن هؤلاء الذين لا يدركون تعقيدات الحكم في بيئة محفوفة بالمخاطر مثل الشرق الأوسط، ولا يفهمون الطبيعة المأساوية والمعقدة للسياسة، ويختزلون شؤون العالم إلى بضعة شعارات مجردة وبسيطة، يُعدّون تهديداً كامناً لأي مجتمع. وإذا مُنحوا دوراً مؤثراً في الساحة السياسية، فإن هذا التهديد سيتحول إلى خطر فعلي.
إنهم لا يتحلون بأي حياء، ولا يبدون أي حرص على مصالح البلاد. وهم على استعداد لجر المجتمع إلى الفوضى وعدم الاستقرار من أجل الحفاظ على مواقعهم، بل ويفتخرون بذلك.
وإذا واصلوا السير على هذا النهج، فلن يكون هناك شك في أنهم سيدفعون المجتمع نحو الفوضى والعنف والدمار، ويجعلون من البلاد ضحية لأوهامهم؛ وذلك في لحظة تاريخية حساسة، تحتاج فيها البلاد إلى التضامن والهدوء لعبور منعطف شديد الخطورة.
أحمد زيد آبادي
صحفي إيراني