ماذا تعني “آلية الزناد” التي تهدد أوروبا إيران بتفعيلها؟
في ظل الأجواء المتوترة حاليًا، قد يشكل تفعيل آلية الزناد نقطة تحول لا رجعة فيها في الأزمة النووية الإيرانية، وبداية لنهاية أي مسار دبلوماسي، ودخولًا في مرحلة جديدة من التصعيد الدولي.

ميدل ايست نيوز: في الذكرى العاشرة لتوقيع خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، وبعد حرب استمرت 12 يومًا وارتفاع مخزون اليورانيوم المخصب لدى الحكومة الإيرانية إلى أكثر من 400 كيلوجرام، تدرس ثلاث دول أوروبية—فرنسا وبريطانيا وألمانيا—بجدية غير مسبوقة تفعيل “آلية الزناد”، وهي آلية تعيد فرض عقوبات الأمم المتحدة دون الحاجة إلى تصويت.
ما هي آلية الزناد؟
آلية الزناد، التي وردت في نص الاتفاق النووي تحت مسمى “آلية تسوية النزاعات”، هي أداة تتيح لأطراف الاتفاق، في حال خرق إيران لالتزاماتها، بدء إجراء رسمي لإعادة فرض العقوبات الدولية.
وقد تم شرح هذا الإجراء في البندين 36 و37 من الاتفاق النووي، ويعمل على النحو التالي:
- إذا اعتبر أحد أطراف الاتفاق أن الطرف الآخر لا يلتزم بتعهداته، يمكنه تقديم شكوى إلى “اللجنة المشتركة” (الهيئة الرقابية لتنفيذ الاتفاق).
- أمام اللجنة 15 يومًا للنظر في الشكوى والعمل على حلها. وإذا لم تُحل، تُحال المسألة إلى وزراء الخارجية، الذين يُمنحون 15 يومًا إضافية.
- إذا استمرت الخلافات، تُمنح اللجنة 5 أيام إضافية لمحاولة نهائية.
- وإذا لم يقتنع الطرف الشاكي بعد مرور 35 يومًا، يمكنه إحالة المسألة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
في هذه المرحلة، ينبغي على مجلس الأمن أن يصوّت خلال 30 يومًا على استمرار تعليق العقوبات. لكن النقطة الأساسية هنا هي أن استخدام أحد الأعضاء الدائمين (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، أو بريطانيا) لحق النقض (الفيتو) ضد القرار يؤدي إلى إعادة العقوبات تلقائيًا، دون الحاجة إلى تصويت جديد. ولهذا تُعرف هذه الآلية بـ”آلية الزناد” أو “العودة التلقائية للعقوبات”.
هل ستُفعّل آلية الزناد؟
تجري فرنسا وبريطانيا وألمانيا حاليًا مراجعة رسمية لتفعيل آلية الزناد. وقد أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتس، يوم الأحد، أن بلاده، إلى جانب دولتين أوروبيتين أخريين، ستتقدمان بطلب إلى رئاسة مجلس الأمن لتفعيل هذه الآلية ضد إيران. وأضاف أن الطلب سيُقدَّم يوم الثلاثاء 15 يوليو، وفقًا لما نقلته وسائل إعلام إيرانية.
ولطالما عارضت روسيا والصين آلية الزناد. ففي عام 2025، أكدت الصين أن “استخدام آلية عقابية في الظروف الراهنة يضر بالمسار الدبلوماسي”، فيما حذّرت روسيا من أن “إعادة فرض العقوبات تعني إنهاءً تامًا للتعاون مع إيران”.
مع ذلك، ما يلفت الانتباه هو أن موسكو وبكين لا تستطيعان منع تفعيل الآلية، لأن الإجراء لا يتطلب تصويتًا. وبالتالي، حتى اعتراضهما لن يكون عائقًا أمام إعادة فرض العقوبات.
من جهتها، حذّرت طهران مرارًا من أن استخدام آلية الزناد سيُعدّ “انتهاكًا جسيمًا للالتزامات الدولية”، ولوّحت بأنها قد ترد بالانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، ووقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورفع مستوى التخصيب رسميًا إلى 90%.
ما العقوبات التي ستعود؟
في حال تفعيل آلية الزناد خلال عام 2025، فإن العقوبات التالية ستعود:
- العقوبات التسليحية: سيُمنع كليًا تصدير أو استيراد الأسلحة إلى أو من إيران، بما يشمل الأسلحة الخفيفة والثقيلة، الذخائر، المنظومات الصاروخية، والتقنيات المرتبطة بها. كما سيُمنع على إيران شراء أو بيع أي معدات عسكرية سواء بشكل رسمي أو غير رسمي.
- العقوبات الصاروخية: ستُحظر بالكامل أي أنشطة إيرانية تتعلق بالصواريخ الباليستية، بما في ذلك التجارب، الإنتاج، البحث والتطوير، أو تأمين قطع الغيار والتكنولوجيا ذات الصلة. كما سيُعدّ التعاون مع جهات أجنبية في هذا المجال خاضعًا للعقوبات.
- العقوبات المالية والمصرفية: ستُجمّد جميع الأصول التابعة للمؤسسات الرئيسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، مثل البنك المركزي، البنوك الحكومية، وصندوق التنمية الوطني، في الخارج. كما ستُفرض قيود أو حظر على تحويل الأموال، فتح الحسابات، تقديم الخدمات المصرفية أو الاستثمار الأجنبي في إيران.
- العقوبات على قطاع الطاقة (النفط والغاز): سيُعاد فرض حظر على تصدير النفط الخام، الغاز الطبيعي، المنتجات البتروكيماوية، وغيرها من موارد الطاقة الإيرانية. كما ستُمنع الاستثمارات الأجنبية في هذا القطاع، وستُمنع الشركات الدولية من المشاركة في أي مشاريع نفطية أو غازية إيرانية.
- إعادة إدراج الأفراد والكيانات: سيُعاد إدراج عشرات المؤسسات والشخصيات الإيرانية التي كانت قد أُزيلت من قوائم العقوبات بعد الاتفاق النووي، ضمن قائمة العقوبات لمجلس الأمن. ويشمل ذلك قيادات في الحرس الثوري، وزارة الدفاع، هيئة الطاقة الذرية، شركات مرتبطة بمكتب المرشد الأعلى، ومؤسسات أساسية أخرى.
وقد صُممت هذه الآلية لتكون قابلة للتنفيذ حتى في مواجهة اعتراضات روسيا والصين، مما يجعلها أداة استراتيجية بيد الغرب.
وفي ظل الأجواء المتوترة حاليًا، قد يشكل تفعيل آلية الزناد نقطة تحول لا رجعة فيها في الأزمة النووية الإيرانية، وبداية لنهاية أي مسار دبلوماسي، ودخولًا في مرحلة جديدة من التصعيد الدولي.