تراجع حاد في قطاع الزراعة يغير ملامح سوق العمل الإيراني

شهد قطاع الزراعة في إيران، الذي كان يوماً ما العمود الفقري لاقتصاد البلاد، تراجعاً حاداً في العقود الأخيرة.

ميدل ايست نيوز: شهد قطاع الزراعة في إيران، الذي كان يوماً ما العمود الفقري لاقتصاد البلاد، تراجعاً حاداً في العقود الأخيرة. إذ تشير بيانات مركز الإحصاء الإيراني إلى أن حصة الزراعة من إجمالي العمالة في البلاد انخفضت من 24.2% عام 2005 إلى 14.4% عام 2023، ما يعني تراجعاً بنسبة 40.5%. كان هذا التراجع أكثر حدة في المناطق الريفية مقارنة بالمناطق الحضرية، حيث انخفضت العمالة الزراعية في الأرياف بنسبة 25.5% مقابل انخفاض قدره 11.1% في المدن. وتُعزى هذه الانخفاضات إلى تغيّر أنماط التنمية وأزمة المياه والهجرة الواسعة من الريف إلى المدن وتدني الإنتاجية والتحديات البيئية.

تغير طفيف في توظيف القطاع الصناعي

وقال موقع اقتصاد أونلاين، إنه في المقابل، سجّل قطاع الصناعة نمواً بنسبة 10.9% في عدد العاملين فيه. اللافت أن هذا النمو كان أكثر بروزاً في المناطق الريفية، حيث ارتفعت نسبة العاملين في الصناعة من 24.4% إلى 29.9%، أي بزيادة قدرها 22.5%. بينما لم يتجاوز النمو في المناطق الحضرية نسبة 3.6%. ويبدو أن سياسات دعم الصناعات الصغيرة وورش العمل المحلية لعبت دوراً مهماً في تحقيق هذا التقدم.

هيمنة مطلقة لقطاع الخدمات

شهد قطاع الخدمات نمواً واسعاً، خصوصاً في المناطق الريفية، حيث ارتفعت حصته بنسبة 47.9%. في المقابل، ظلت نسبته في المناطق الحضرية مستقرة تقريباً مع انخفاض طفيف. من أبرز العوامل التي أسهمت في هذا التحول: التراجع في قطاع الإنتاج، أزمة المياه، والانكماش في الزراعة، إلى جانب ظهور وظائف جديدة مرتبطة بتقنيات المعلومات مثل النقل والسياحة الرقمية.

أزمة المياه وتراجع الزراعة

تكشف البيانات أن مسارات التحول في التوظيف اختلفت بين المدن والقرى. ففي المدن، ظل قطاع الخدمات هو المهيمن رغم نموه المحدود، بينما شهدت المناطق الريفية نمواً ملحوظاً في كل من الصناعة والخدمات. تعكس هذه التحولات تغيراً في نمط الحياة والاقتصاد الريفي، حيث بدأ قطاع الزراعة يتراجع لصالح أنشطة اقتصادية أكثر تنوعاً.

ورغم الاعتقاد الشائع بأن تراجع عمالة الزراعة يعود إلى المكننة وتقليل الحاجة إلى الأيدي العاملة، إلا أن الانكماش الفعلي في أداء القطاع الزراعي في إيران خلال السنوات الماضية يشير إلى عوامل أعمق، منها ضعف إدارة الموارد المائية والفشل في تطبيق تقنيات الزراعة الحديثة وانخفاض أسعار الوقود وانتشار وظائف غير مستقرة مثل خدمات النقل الإلكتروني، وضعف البنية التحتية في القرى، والهجرة الريفية. تداخل هذه العوامل غيّر ملامح سوق العمل الإيراني.

آفاق سوق العمل المستقبلية

تحدث هذه التحولات في وقت تواجه فيه إيران تحديات اقتصادية جسيمة مثل التضخم المرتفع وبطالة الشباب وتدني الدخل وأزمة المياه وانكماش الزراعة والاعتماد على الإيرادات النفطية. ومع ذلك، ثمة فرص واعدة، من بينها نمو قطاع الخدمات واعتماد الزراعة الحديثة وتحسين إدارة الموارد المائية، فضلاً عن خلق وظائف جديدة في قطاع تكنولوجيا المعلومات. وتشير التوجهات الراهنة إلى احتمال استمرار هيمنة قطاع الخدمات، مع إمكانية بلوغ حصته 60% من سوق العمل مستقبلاً.

فرص العمل في إيران في مرحلة انتقالية

ترسم التحولات التي شهدها سوق العمل الإيراني خلال 18 عاماً صورة واضحة لاقتصاد يمر بمرحلة انتقالية. فتراجع الزراعة، ونمو الصناعة والخدمات، والفروقات الملحوظة بين المدن والقرى، كلها مؤشرات على تغيّر بنيوي عميق في الاقتصاد الوطني. إدارة هذه التحولات تتطلب سياسات ذكية تشمل تطوير مهارات القوى العاملة، ودعم التنمية الإقليمية، وتعزيز قطاع الزراعة. ويعتمد مستقبل الاقتصاد الإيراني بشكل كبير على كيفية التعامل مع هذا التحول البنيوي.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

19 − 18 =

زر الذهاب إلى الأعلى