أزمة المياه في إيران: تحذيرات من انهيار بيئي يهدد ملايين السكان

تقف إيران اليوم في أحد أحلك فصولها البيئية، حيث لا يقتصر خطر أزمة المياه على محافظة أو مدينة بعينها، بل يهدد مستقبل نحو نصف السكان الذين يعيشون في المدن.

ميدل ايست نيوز: رغم توفر البيانات العلمية، واصلت الحكومات المختلفة في إيران تطوير الصناعات ذات الاستهلاك المفرط للمياه في المناطق الجافة، وتغيير استخدام الأراضي الزراعية، وإصدار تصاريح للبناء المكثف، متجاهلة بذلك التحذيرات البيئية المتكررة.

تقف إيران اليوم في أحد أحلك فصولها البيئية، حيث لا يقتصر الخطر على محافظة أو مدينة بعينها، بل يهدد مستقبل نحو نصف السكان الذين يعيشون في المدن.

ووفقاً لأحدث البيانات الرسمية، تواجه 52 مدينة في 29 محافظة، من بينها طهران، مشهد، أصفهان، أراك، بندرعباس، ويزد، حالة «توتر مائي شديد». بمعنى آخر، لم يعد هناك ضمان لتوفير مياه الشرب بشكل مستدام لما يقارب نصف سكان المدن في البلاد.

وفي الوقت الذي تشير فيه التقارير الميدانية من مختلف مناطق العاصمة إلى أن كثيراً من السكان يعانون من انقطاع المياه لساعات طويلة أو طوال اليوم، أو من انخفاض حاد في ضغط المياه، تواصل وزارة الطاقة وشركة المياه والصرف الصحي تحميل التغير المناخي، والجفاف، وتراجع معدلات الأمطار مسؤولية الوضع الراهن. لكن خبراء البيئة يرون أن جزءاً كبيراً من هذه الأزمة هو نتاج أكثر من أربعة عقود من السياسات الخاطئة، والتوسع العمراني غير المخطط، والحفر المفرط للآبار، والزراعة غير المستدامة، وتجاهل التحذيرات العلمية الواضحة.

ووصف هاشم أميني، المدير التنفيذي لشركة المياه والصرف الصحي، الوضع الحالي بأنه «أحد أشد الأزمات المائية في تاريخ إيران»، مشيراً في مقال له إلى أن حجم الموارد المائية المتجددة في البلاد انخفض من نحو 132 مليار متر مكعب في تسعينيات القرن الماضي إلى أقل من 90 مليار متر مكعب في السنوات الأخيرة، أي بتراجع تجاوز 30% خلال أقل من ثلاثة عقود.

وبحسب التقرير الرسمي ذاته، تزامن هذا الانخفاض مع زيادة في استهلاك المياه في جميع القطاعات، وارتفاع متوسط درجات الحرارة في إيران بأكثر من 1.6 درجة مئوية خلال الخمسين عاماً الماضية. هذه المؤشرات، بحد ذاتها، تعكس الضغط الهائل على الموارد المائية في البلاد. ومع ذلك، لم يتطرق مقال المدير التنفيذي لشركة المياه إلى سوء الإدارة الهيكلي، وتجاهل الدولة لإصلاح أنماط الاستهلاك وتطوير البنية التحتية، وهي عوامل أساسية أوصلت الأزمة إلى هذا المستوى المقلق.

وتكشف التقارير الرسمية أن وضع المياه في طهران بلغ من الحدة ما اضطر السلطات إلى إعداد خطة لتقنين المياه. وبحسب وزير الطاقة، فإن السدود الخمسة الرئيسية التي تغذي طهران لا تحتوي حالياً إلا على نحو 14% فقط من طاقتها الاستيعابية، ما يعني أن السكان سيواجهون قريباً قيوداً أشد من أي وقت مضى. وفي الوقت الراهن، يفتقر العديد من سكان الأحياء في العاصمة، وخاصة من يعيشون في الطوابق العليا، إلى المياه لساعات طويلة يومياً، ويعتمدون على شراء المياه وتخزينها لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

ولا تقتصر الأزمة على طهران وحدها، إذ تشهد العديد من المدن في المحافظات الشمالية والوسطى والجنوبية خلال صيف هذا العام انقطاعات متكررة وطويلة في المياه. ومع أن السلطات تمتنع عن الإعلان الرسمي عن هذه الانقطاعات، إلا أنها مستمرة فعلياً لتقليل الآثار النفسية على السكان. وفي بعض أحياء المدن الكبرى، تعاني حتى الطوابق الثانية والثالثة من ضعف شديد في ضغط المياه أو انقطاع تام، ما جعل الحياة اليومية للملايين شبه مشلولة.

وقد ظل خبراء البيئة يحذرون منذ عقود من تراجع الموارد المائية في إيران، بدءاً من جفاف البحيرات والمسطحات المائية، وانتهاءً بالانخفاض غير المسبوق في مستويات المياه الجوفية. ومع ذلك، فإن الإدارة العليا في إيران لم تتجه لوضع خطط طويلة الأمد أو تعديل نماذج التنمية، بل استثمرت الموارد في مشاريع استعراضية أو في عمليات نقل المياه بين الأحواض، ما أدى بدوره إلى أزمات جديدة.

ورغم امتلاك الدولة بيانات علمية دقيقة، واصلت تطوير الصناعات المفرطة في استهلاك المياه في المناطق القاحلة، وتغيير استخدامات الأراضي الزراعية، بل وحتى منح تراخيص للبناء المكثف دون وجود بنى تحتية مناسبة.

وحذّر خبراء البيئة مراراً من أن شبكات توزيع المياه في إيران متهالكة، وأن نسبة الفاقد من المياه في بعض المحافظات تتجاوز 30%، في حين لا تتعدى هذه النسبة 5% في الدول الأوروبية. كما أن مشاريع محطات المعالجة وإعادة تدوير المياه إما توقفت منذ سنوات أو واجهت عقبات من الفساد والمحسوبية، ما حال دون تنفيذها.

وأشار المدير التنفيذي لشركة المياه والصرف الصحي في مقاله إلى أن «المياه هي دعامة الأمن، والصحة، والاقتصاد، والنمو في البلاد». ومع ذلك، فإن أداء المسؤولي الإيرانيين خلال السنوات الماضية يظهر أن هذه الحقيقة لم تُفهم جيداً أو تم تجاهلها عن عمد. إذ إنه مع غياب المياه، تتوقف عجلة الإنتاج الصناعي، وتنهار الزراعة، وتنتشر الأمراض المرتبطة بندرة المياه وتلوثها، وتبدأ موجات هجرة داخلية وخارجية واسعة، وهو ما بدأ يتجلى بالفعل من خلال النزوح القسري لسكان القرى وتزايد العشوائيات في المدن الكبرى.

وفي عام 2025، أعلنت شركة المياه والصرف الصحي عن 192 مشروعاً لإدارة التوتر المائي، لكن التجارب السابقة تؤكد أن كثيراً من هذه المشاريع إما تُترك دون استكمال، أو تُنفذ بتكاليف باهظة دون فعالية بسبب الفساد وغياب الشفافية. وفي ظل هذه الظروف، عادت السلطات لتحمّل المواطنين مسؤولية الأزمة، مطالبة إياهم بخفض استهلاكهم بنسبة تتراوح بين 15 إلى 20%.لا

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

20 − 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى