من الصحافة الإيرانية: ثلاثة سيناريوهات بعد تفعيل آلية الزناد

مضت عشر سنوات على توقيع الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية، ولا تزال مصطلحات من ذلك النص القانوني المعقد تشكل مصير السياسة الإيرانية.

ميدل ايست نيوز: مضت عشر سنوات على توقيع الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية، ولا تزال مصطلحات من ذلك النص القانوني المعقد تشكل مصير السياسة الإيرانية. آلية الزناد تقف اليوم في قلب التطورات الجيوسياسية في المنطقة. ففي الأشهر الأخيرة، ومع استمرار الهجمات العسكرية والتخريب ضد البنية التحتية النووية الإيرانية، عادت أوروبا لتطرح مجدداً تفعيل هذه الآلية، رغم أن واشنطن انسحبت من الاتفاق لكنها ما زالت تضغط من الخارج.

وتقف إيران اليوم عند مفترق طرق صعب: إما القبول بآلية عقابية ذات شرعية مهزوزة، أو مواجهتها على صعيد قانوني وسياسي واقتصادي في ظل قواعد متغيرة.

التجربة الأميركية في 2020: عندما لم تنجح الآلية

في أغسطس 2020، أعلن ترامب، بعد عامين من انسحاب بلاده الرسمي من الاتفاق، نيته تفعيل آلية الزناد. كانت حجته أن القرار 2231 يعرف الولايات المتحدة كطرف مشارك في الاتفاق، ما يمنحها الحق في تفعيل الآلية رغم الانسحاب. لكن أعضاء مجلس الأمن الآخرين رفضوا دعم ذلك، ولم تُعاد العقوبات الأممية، واستأنفت بعض الدول التجارة العسكرية مع إيران رغم الضغوط الأمريكية.

علمت إيران من تجربة 2020 أن الآلية، رغم خطورتها، يمكن احتواؤها عبر الإجماع الدولي، لكنها أظهرت أيضاً أن الشرعية القانونية ليست بالضرورة حاجزاً أمام الإجراءات السياسية، خاصة في حالة عدم وجود توافق.

لكن اليوم، في 2025، تتغير الظروف: ليست الولايات المتحدة هذه المرة من قد تلجأ إلى الآلية، بل بعض الدول الأوروبية المتبقية في الاتفاق، مما يفتح فصولاً جديدة من التحديات القانونية والسياسية والاقتصادية لإيران.

ماذا لو فعلت آلية الزناد؟ سيناريوهات العقوبات ومستقبل الاقتصاد الإيراني

عودة عقوبات الأمم المتحدة عبر هذه الآلية ليست مجرد تطور دبلوماسي أو قانوني، بل مرتبطة مباشرة بالاقتصاد وتأثيراته على سوق الصرف والتجارة والمالية. وتختلف تداعياتها بحسب كيفية التنفيذ ومدى دعم القوى العالمية الأخرى.

يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات رئيسية لتنفيذ العقوبات العائدة، من الأقل تأثيراً إلى الأكثر تدميراً:

السيناريو الأول: عودة رمزية للعقوبات بدون ضغط جدي من القوى الكبرى

في هذا السيناريو، ستعود العقوبات رسمياً لكنها ستظل بلا تأثير عملي. كما سترفض روسيا والصين الاعتراف بها، ولن تتعاونان على مستوى الحكومات أو الشركات والبنوك. أمريكا وأوروبا ستدعمان تفعيل الآلية شكلياً لكنها لن تضغط فعلياً، ربما بسبب اعتبارات إقليمية أو انتخابات أو سوق الطاقة. في المقابل، ستواجه إيران صعوبات في تحويل الأموال لكنها ستستمر في تصدير النفط بأسعار مخفضة عبر وسطاء، وتبقى الأسواق الآسيوية غير الرسمية نشطة. الأثر الاقتصادي محدود وقابل للإدارة.

السيناريو الثاني: عودة أكثر فعالية للعقوبات مع ضغوط أوروبية متزايدة وتراجع تعاون روسي وصيني

هنا، تطبق أوروبا العقوبات بالكامل، وتوقف البنوك الأوروبية تعاملاتها، وتقيد صادرات السلع الحساسة، وتخطر المؤسسات المالية بالعقوبات رسمياً. الصين وروسيا رغم معارضتهما الرسمية، تقللان من تعاونهم فعلياً، وتحدّ بعض البنوك الصينية من الدفع بالدولار واليورو، وتصبح شركات التأمين أكثر حذراً. يواجه الاقتصاد الإيراني نقصاً في العملات الصعبة، وتقل عائدات النفط، وتزيد تكلفة الواردات، وتتأثر المشاريع الكبرى بنقص السيولة. رغم ذلك، يمكن للحكومة السيطرة على الوضع بسياسات تقشفية وزيادة الضرائب واستخدام الاحتياطيات، لكن مع تكاليف اجتماعية مرتفعة.

السيناريو الثالث: عودة العقوبات بتنسيق وضغط أقصى من جميع الأطراف

هذا السيناريو الأسوأ، حيث تفعّل أوروبا وأمريكا الآلية، وتنجح في دفع الصين وروسيا إلى تعاون نسبي، ربما عبر التهديد بعقوبات ثانوية أو فرض قيود تكنولوجية أو ضغوط دولية. النتيجة انخفاض حاد في صادرات النفط، توقف التدفقات المالية، وقف الاستثمارات الأجنبية، تعطيل التأمين والنقل، وانهيار كامل للشبكة المصرفية الرسمية. ترتفع تكاليف المعاملات المالية بشكل كبير، وتقل العقود مع الشركات الصينية والروسية، وتتعرض إيران لعزلة متزايدة. الداخل يعاني من تزايد الاختلالات الاقتصادية وترتفع النفقات الحكومية بسبب الأوضاع الأمنية واحتياجات الدعم الاجتماعي، وتتراجع الإيرادات الأجنبية، ويتسع العجز المالي، وتتصاعد الضغوط على سوق الصرف، ويرتفع التضخم والبطالة. في هذا السيناريو، تصبح العقوبات أداة رئيسية لتغيير الحسابات السياسية وإجبار إيران على قبول شروط تفاوض جديدة، ما يحول آلية الزناد إلى وسيلة لإعادة هندسة السلوك السياسي الإيراني بتكلفة اقتصادية جسيمة.

حميد قنبري
باحث في القانون الدولي

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى