خط نفط “العراق-تركيا” يتوقف رسمياً.. ماذا يعني هذا القرار؟

في تطور لافت في العلاقات النفطية بين العراق وتركيا، أعلنت أنقرة، اليوم الاثنين، إنهاء العمل باتفاقيات خط أنابيب النفط مع العراق، اعتباراً من يوليو 2026.

ميدل ايست نيوز: في تطور لافت في العلاقات النفطية بين العراق وتركيا، أعلنت أنقرة، اليوم الاثنين، إنهاء العمل باتفاقيات خط أنابيب النفط مع العراق، اعتباراً من يوليو 2026.

القرار، الذي صدر بمرسوم رئاسي ونُشر في الجريدة الرسمية التركية، قد يكون بداية لمرحلة جديدة في مسار خط “كركوك–جيهان، الذي كان لسنوات بمثابة شريان حيوي لصادرات النفط العراقي نحو البحر المتوسط.

هذا الإعلان يطرح تساؤلات كبيرة حول تداعياته السياسية والاقتصادية، ويضع العراق أمام تحديات جدية في البحث عن بدائل استراتيجية. ويرى وزير النفط العراقي الأسبق، إبراهيم بحر العلوم، في تصريحات خاصة لـ”الشرق” بعد إعلان القرار أن “إلغاء الاتفاقية من طرف واحد يثير إشكالات قانونية، لكن يُتوقع أن يخضع الملف لمفاوضات جديدة بين بغداد وأنقرة، خاصة بعد تحسن العلاقات مؤخراً”.

في هذا التقرير، نعود إلى أبرز محطات هذا الخط، ونناقش ما قد يحمله المستقبل من خيارات.

ما هو خط أنابيب “كركوك–جيهان”؟ وكيف بدأ؟

يُعد خط أنابيب كركوك–جيهان أحد خطوط تصدير النفط العراقي الأساسية، حيث ينقل الخام من الحقول النفطية في شمال العراق، خاصة في إقليم كردستان وكركوك، إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط. تم توقيع الاتفاقية الأصلية بين العراق وتركيا في 27 أغسطس 1973، ودخل الخط حيز التشغيل الفعلي في عام 1977، وكان هدفه تمكين العراق من تصدير نفطه للأسواق العالمية عبر المتوسط، بعيداً عن مضيق هرمز.

في البداية، كانت الحكومة العراقية المركزية تمتلك وتُشغل الخط بالكامل، لكن بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003، بدأ إقليم كردستان بتطوير بنيته التحتية النفطية الخاصة، وربط بعض الحقول بخط جيهان عبر أنابيب جديدة أنشأها الإقليم، ما مكنه من تصدير النفط بشكل شبه مستقل عن بغداد.

أثار هذا التوجه خلافات قانونية وسياسية بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم، وأدى إلى توترات قانونية مع بغداد، التي رفضت هذا التوجه باعتباره انتهاكاً للسيادة الوطنية.

خارطة أنابيب النفط المؤدية إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط ومنها خط أنابيب "كركوك- جيهان" الممتد من كردستان العراق إلى تركيا- المصدر: بلومبرغ
خارطة أنابيب النفط المؤدية إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط ومنها خط أنابيب “كركوك- جيهان” الممتد من كردستان العراق إلى تركيا- المصدر: بلومبرغ

أهمية هذا الخط اقتصادياً وسياسياً

اقتصادياً، شكل هذا الخط منفذاً حيوياً لنحو 450 ألف برميل يومياً من نفط كردستان، إضافة إلى نحو 75 إلى 100 ألف برميل من نفط كركوك. وهو ما يمثل أكثر من 10% من صادرات العراق النفطية، ويوفر نحو 80% من ميزانية إقليم كردستان.

سياسياً، شكل الخط ورقة ضغط بيد أربيل، فيما اعتبرته بغداد خرقاً دستورياً، لا سيما أن إيرادات التصدير لم تكن تُدار مركزياً. ولأجل ذلك، أبطلت وزارة النفط العراقية اتفاقيتين بين شركتي طاقة أميركية وحكومة الإقليم مؤكدة أن أي اتفاقيات استثمارية يجب أن تتم عبرها.

لماذا توقف الضخ عبر الأنبوب في مارس 2023؟

توقف الضخ بعد صدور حكم تحكيم دولي من غرفة التجارة الدولية في باريس، قضى بأن تركيا خالفت اتفاق 1973 عبر سماحها لإقليم كردستان بتصدير النفط دون موافقة بغداد بين 2014 و2018. أُلزمت أنقرة بدفع تعويضات قدرها 1.5 مليار دولار، فبادرت إلى وقف تدفق النفط فوراً، بحجة إجراء مراجعة فنية للأنبوب. لكن مراقبين رأوا أن السبب الحقيقي كان تصعيداً قانونياً وسياسياً، ما أدى إلى خسائر عراقية تُقدر بـ19 مليار دولار حتى فبراير 2025.

ويرى الخبير النفطي العراقي والمدير العام السابق في وزارة النفط العراقية، شريف محسن، الذي تحدث إلى الشرق، أنه “كان من الأفضل ألا يُقدِم العراق على رفع دعوى قضائية ضد تركيا من الأساس، وكان الأجدى دراسة العواقب قبل اتخاذ هذا القرار”.

وأضاف: “لم يتم تقييم مصالحنا المشتركة مع أنقرة بشكل دقيق. صحيح أن العراق ربح 1.5 مليار دولار، لكن هذا المبلغ يعادل تشغيل أحد الأنابيب لأقل من شهر”.

ووفق محسن، الذي عمل ثلاث سنوات ممثلاً نفطياً للعراق في تركيا ومشرفاً على الأنبوب من الجانب العراقي، كان يمكن تحقيق نتيجة أفضل عبر التفاوض بدلاً من التقاضي. وتابع: “أعرف جيداً كيف يمكن كسب الأتراك كأصدقاء أو تحويلهم إلى خصوم”.

دلالة إعلان تركيا الانسحاب من الاتفاقية النفطية

القرار التركي شمل إنهاء العمل بكل الاتفاقيات والبروتوكولات المرتبطة بخط الأنابيب، بما في ذلك اتفاقية 1973، بروتوكول 1976، مذكرة التفاهم 1981، الاتفاقية التكميلية 1986، واتفاقية التعديل المبرمة في 2011. ويعني ذلك أن تركيا لن تكون ملزمة قانونياً بنقل النفط العراقي عبر أراضيها اعتباراً من يوليو 2026، ما لم يتم توقيع اتفاقية جديدة.

وبحسب مصادر رسمية تحدثت إلى بلومبرغ، فإن أنقرة ترى أن الشروط الحالية غير مُجزية، وتطمح إلى اتفاق جديد يعزز عوائدها ويمنحها مرونة أكبر في إدارة الخط.

ووفقاً لشخص فضل عدم الكشف عن هويته في شركة “بوتاش” التركية -التي تشغل خط الأنابيب- تحدث إلى الشرق، فإن “أنبوب كركوك-جيهان متوقف عن العمل منذ ثلاث سنوات، ومع ذلك تتحمل الميزانية التركية تكاليف تشغيله، بما يشمل الحراسة والمضخات والمهندسين والإداريين والمشرفين. كان من المفترض أن تُغطى هذه التكاليف من رسوم عبور النفط، لكن خلال هذه الفترة لم يحدث أي ترانزيت، ما أدى إلى تراكم الأعباء المالية على أنقرة”.

يضاف إلى ذلك الغرامة التي فرضت على تركيا بقيمة 1.5 مليار دولار، “ما جعل الخط عبئاً اقتصادياً كبيراً، يستوجب غلقه من وجهة نظر العديد من المعنيين بالملف” حسب مسؤول “بوتاش”.

ما تبعات القرار على العراق؟

وفق مصدر عراقي تحدث إلى الشرق شرط عدم ذكر اسمه، فأن توقف خط أنابيب كركوك–جيهان قد يحمل انعكاسات اقتصادية عميقة، خاصة على إقليم كردستان الذي يعتمد على صادرات النفط لتمويل نحو 80% من موازنته السنوية.

ومنذ مارس 2023، خسر الإقليم أكثر من ملياري دولار نتيجة توقف الضخ، ما فاقم من أزماته المالية.

أما على مستوى الدولة العراقية، فإن اللجوء إلى تصدير النفط عبر موانئ الجنوب يزيد من كلفة النقل والشحن، مما يضغط على هامش الأرباح.

كما تعاني حكومة الإقليم من عرقلة بعض عقود شركات الطاقة وتراكم ديون لصالح شركات النفط الدولية (IOCs) تفوق المليار دولار، ما أدى إلى خفض الاستثمارات بنحو 400 مليون دولار وتسريح مئات الموظفين، مما يهدد استدامة ضخ النفط من الإقليم على المدى المتوسط.

بدائل العراق بعد وقف الخط

يمكن للعراق التفاوض مجدداً مع تركيا على اتفاق جديد يراعي مصالح الطرفين -وهو ما ترغب فيه أنقرة- مع تقديم تسوية ترضي جميع الأطراف، وتحقق عائداً مادياً جيداً لهم. كما يمكن الضغط عبر التحكيم الدولي في حال فشل التفاوض. وإشراك وسطاء دوليين.

ووفق إبراهيم بحر العلوم، وزير النفط العراقي الأسبق، فإن الخط “كان يصدر فقط 5% إلى 7% من صادرات العراق”، بما يشمل خفض التعويضات وزيادة الرسوم، خاصة في ظل مشاريع إقليمية كبرى مثل (طريق التنمية). و”تسعى تركيا الآن إلى إعادة التفاوض لتحسين شروطه”، حسب قوله.

تستطيع بغداد التفكير أيضاً في إحياء خط العراق سوريا بانياس كبديل للخط التركي، لكن المشروع يواجه عقبات ضخمة أبرزها عدم الاستقرار الأمني في سوريا، وتكاليف إعادة التأهيل المقدرة بمليارات الدولارات.

تأهيل خطوط تصدير بديلة عبر الخليج أحد الخيارات المطروحة كذلك على الطاولة، لكن التكاليف ستكون مرتفعة للغاية على الأرجح.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الشرق - بلومبيرغ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 − 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى