من الصحافة الإيرانية: أربعة سيناريوهات محتملة للاقتصاد الإيراني ما بعد مرحلة وقف إطلاق النار

دفعت الحرب الإيرانية الإسرائيلية التي استمرت 12 يوماً، وخاصة الوضع الناجم عنها تحت أي مسمى، الاقتصاد الإيراني إلى واحدة من أصعب وأشد الفترات غموضاً في تاريخه خلال نصف القرن الأخير.

ميدل ايست نيوز: دفعت الحرب الإيرانية الإسرائيلية التي استمرت 12 يوماً، وخاصة الوضع الناجم عنها تحت أي مسمى، الاقتصاد الإيراني إلى واحدة من أصعب وأشد الفترات غموضاً في تاريخه خلال نصف القرن الأخير. وعلى الرغم من أن هذه الظروف لم تنعكس بعد على المؤشرات الاقتصادية الرئيسية باستثناء سوق رأس المال، فإن ذلك لا يعني استقرار الاقتصاد الإيراني أو “تحصينه” ضد التحديات السياسية والجيوسياسية، كما يروّج بعض الناشطين السياسيين. بل ينبغي توصيف هذه الحالة بـ”الهدوء الذي يسبق العاصفة”.

وبالنظر إلى جملة العناصر والظروف السياسية والاقتصادية الظاهرة والخفية، يمكن تصوّر أربعة سيناريوهات محتملة للاقتصاد الإيراني في المدى المتوسط، وتحديداً حتى نهاية العام الجاري. وتنقسم هذه السيناريوهات إلى: الأسوأ، والأسوأ نسبياً، والسيئ، والجيد.

السيناريو الأسوأ يتضمن اندلاع حرب لا نهاية لها تتحول إلى صراع استنزافي يمتد إلى مستوى إقليمي، مع انخراط مباشر لدول أخرى، خصوصاً الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو، وكذلك حلفاء أمريكا في المنطقة. في هذا السيناريو، وبالنظر إلى احتمالية استهداف البنى التحتية الاقتصادية في إيران، لاسيما المنشآت الحيوية في قطاعي الطاقة والاتصالات، بالإضافة إلى المرافق المدنية والخدمية، فإن الاقتصاد الإيراني سيدخل بلا شك في أسوأ حالاته وسيصبح شبه معطّل تماماً.

أما السيناريو الأسوأ نسبياً، فهو استمرار الوضع الراهن المتمثل في وقف إطلاق نار غير معلن وغير مضمون، مع خروقات محدودة من الطرفين واستمرار حالة انعدام الثقة الأمنية في المجتمع. ورغم أن هذا السيناريو أقل كلفة من الحرب الشاملة، فإنه لا يخلو من أعباء اقتصادية كبيرة. فالمواجهة في هذه الحالة ليست عسكرية بقدر ما هي حرب اقتصادية شاملة بين إيران من جهة، وأمريكا وأوروبا من جهة أخرى، من خلال تفعيل آلية الزناد وعودة عقوبات مجلس الأمن، يقابلها من الداخل صراع اقتصادي بين الحكومة والمواطنين والفاعلين الاقتصاديين. وتؤدي هذه المواجهات إلى تعميق الأزمة الاقتصادية عبر اتساع رقعة العقوبات من جهة، وتفاقم التحديات الاقتصادية الداخلية من جهة أخرى.

وعلى صعيد الموازنة العامة، ستتراجع الإيرادات الخارجية نتيجة التضخم، وسيزداد عجز الميزانية خلال العام الجاري بسبب ارتفاع نفقات تعزيز القدرات الدفاعية والهجومية المستخلصة من دروس الحرب الأخيرة، إلى جانب تكاليف إعادة إعمار المنشآت والمباني السكنية المتضررة، ونفقات ضبط السوق، خاصة سوق السلع الأساسية واحتياجات الناس اليومية. ومن المتوقع أن تتضاعف هذه النفقات. ونتيجة لذلك، ستضطر الحكومة إلى إعادة تخصيص الموارد، خصوصاً على حساب المشاريع العمرانية، وإلى طباعة النقود لتجاوز الظروف الطارئة وإدارة حالة أشبه بالحرب، ما سيؤدي إلى زيادة شديدة في السيولة النقدية وبالتالي إلى ارتفاع التضخم. ومن غير المستبعد أيضاً تقديم مشروع قانون لتعديل الموازنة بما يتناسب مع أوضاع الحرب.

أما السيناريو السيئ، فهو عودة الأوضاع السياسية والاقتصادية إلى ما قبل الحرب التي استمرت 12 يوماً، وهو سيناريو مشروط ببدء مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة والتوصل إلى اتفاق نووي بحت. غير أن هذا السيناريو، على الرغم من كونه أقل سوءاً من السيناريوهين الأولين، فإنه لا يزال يندرج في خانة السيناريوهات السلبية، بالنظر إلى الوضع الاقتصادي المتردي الذي عاشته إيران خلال العقد الماضي نتيجة العقوبات. وسيؤدي التوصل إلى اتفاق نووي مؤقت يمتد لعامين إلى ثلاثة أعوام، يتضمن تخفيفاً جزئياً للعقوبات دون رفعها بالكامل، إلى وضع غير مستقر شبيه بحالة “لا حرب ولا سلم”. واستمرار هذا الوضع مشروط بمدى قدرة الاقتصاد المحلي على الصمود أمام سياسات الأطراف المعنية، سواء في الملف النووي أو في المجال العسكري.

أما السيناريو الجيد، فهو مرتبط بحلّ الخلافات السياسية بين إيران والولايات المتحدة من خلال مفاوضات شاملة وجذرية تفضي إلى اتفاق سلام دائم. وهذا السيناريو، وإن بدا غير محتمل في المدى المتوسط بالنظر إلى الأوضاع السياسية الداخلية والإقليمية والدولية، فإنه قد يفضي إلى رفع كامل للعقوبات الاقتصادية، وبالتالي إدخال الاقتصاد الإيراني في مسار من الانتعاش والاستقرار. وتقتضي الحكمة السياسية أن تعمل منظومة الحكم على تعزيز القدرات الدفاعية والهجومية للبلاد، بالتوازي مع تجاوز الحرب الاقتصادية والسعي لرفع العقوبات بشكل كامل. ويُذكر أن تقوية القدرات العسكرية والدفاعية لا يمكن أن تتحقق من دون اقتصاد قوي؛ إذ إن بنية القدرات الهجومية والدفاعية تعتمد على الأسس الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والأمنية.

وفي التقييم النهائي، يبدو أن السيناريو الثاني (الأسوأ نسبياً) هو الأقرب للتحقق استناداً إلى المؤشرات والمعطيات الحالية، على الرغم من أن السيناريوهات الثلاثة الأخرى تظل واردة أيضاً.

علي رضا سلطاني
محلل في الشؤون الدولية

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 + 20 =

زر الذهاب إلى الأعلى