من الصحافة الإيرانية: البرنامج النووي والسيناريوهات القادمة

لعلّ الخروج من مأزق المفاوضات مع أوروبا سيخلق فترة من الهدوء والاستقرار في السياسة الخارجية، كي تتمكن الدولة من التركيز على القضايا الحيوية التي تمسّ حياة المواطنين.

ميدل ايست نيوز: أدخل وزير الخارجية الفرنسي مفهوماً جديداً في سياق التوتر القائم بشأن البرنامج النووي الإيراني بإعلانه عن مهلة تنتهي نهاية أغسطس لبدء تفعيل آلية الزناد، ما دفع الملف إلى مرحلة جديدة من التصعيد. ويأتي هذا الموقف عقب تنسيق بين وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، ما يشير إلى توافق بينهم على جدول زمني وآلية تحرك مشتركة.

بموجب هذا المسار، تعتزم الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) تجاوز آلية تسوية النزاعات المنصوص عليها في المادتين 36 و37 من الاتفاق النووي، والتي تستغرق 35 يوماً، واللجوء مباشرة إلى المادة 11 من القرار 2231، التي تسمح بتفعيل آلية الزناد خلال مهلة 30 يوماً. وبهذا الإجراء، يمكن لهذه الدول استغلال فترة تولي كوريا الجنوبية رئاسة مجلس الأمن في سبتمبر، وتجنب رئاسة روسيا في أكتوبر، لتقديم الملف أمام المجلس.

من جهة أخرى، أفادت مصادر إعلامية أن الأوروبيين أبلغوا وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، خلال اتصال هاتفي يوم الخميس الماضي، بإمكانية تمديد الموعد النهائي المرتبط بانتهاء مفاعيل القرار 2231 وآلية الزناد. ويتوقف هذا التمديد على شروط أوروبية تشمل استئناف إيران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعودة المفاوضات مع أوروبا، وتقييد مخزون اليورانيوم المخصب في البلاد. وفي اليوم التالي، نشر عراقجي تغريدة حول الاتصال دون الإشارة إلى العرض الأوروبي. في المقابل، ذكرت وكالة “تسنيم” أن هناك مباحثات جارية لعقد لقاء بين مسؤولين إيرانيين وأوروبيين خلال الأسبوع الجاري، وسط تساؤلات حول ما إذا كان هذا اللقاء سيمهّد لمفاوضات نووية مباشرة مع أوروبا تواكب مسار الحوار مع واشنطن.

إذا صحت هذه المعطيات، فإن سيناريو جديداً يلوح في الأفق الإيراني. فبنية مجلس الأمن تتيح نظرياً تمديد مفاعيل القرار 2231، بشرط موافقة تسعة من أعضاء المجلس، بما فيهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وقد يسهم قبول إيران بهذا التمديد في كسب تأييد دول مثل روسيا والصين والجزائر وباكستان، ما يعزز فرص تمريره.

لكن المسألة الأساسية هي: هل ستقبل طهران بشروط الأوروبيين؟ وأهمها، استئناف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك عودة مفتشيها إلى ثلاثة مواقع نووية تعرضت لهجمات، ويُقال إنها ملوثة إشعاعياً. وقد دأبت طهران على التأكيد بأن تلك المواقع تضررت بشدة جراء “العدوان الأخير” الذي استمر 12 يوماً. مصير هذه المواقع ومحتوياتها من المواد النووية يرتبط بشكل مباشر بمستقبل وقف إطلاق النار الحالي، وهو ملف يحظى باهتمام كبير في الساحة السياسية الأمريكية أيضاً.

إلى هذا يصر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على “التدمير الكامل” لهذه المواقع لتفادي أي ضغوط تدفعه لشن هجمات جديدة، في حين تطرح أوساط أمريكية وإسرائيلية سيناريوهات بديلة قد تبرر مزيداً من التصعيد. من هنا، فإن وجود المفتشين الدوليين قد يسهم في حسم هذا الجدل.

تحديد موقف إيران من هذا الملف سيؤثر ليس فقط على طبيعة المواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة، بل أيضاً على مفاوضاتها المحتملة مع واشنطن وأوروبا، وعلى استراتيجيتها السياسية المقبلة. وهنا تبرز الحاجة إلى اتخاذ قرار واضح: هل تعطي القيادة الإيرانية الأولوية للدبلوماسية وتدخل مفاوضات جدية، أم تمضي في خيار الغموض الاستراتيجي؟

هذا الخيار الأخير، الذي تحدّثت عنه بعض الأوساط المقربة من السلطة خلال الأسابيع الأخيرة، يقوم على فرضية أن القانون الذي علّق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان يهدف إلى تعزيز هذا الغموض. كما لمح بعض المسؤولين إلى هذا التوجه. وقد سبق أن حذّرت، في مقال نُشر في صحيفة “شرق”، من أن هذه الاستراتيجية قد تكلّف إيران كثيراً.

وبالتالي، فإن القبول بتمديد آلية الزناد ضمن الشروط المطروحة يعني عملياً التخلي عن سيناريو الغموض الاستراتيجي النووي.

مع ذلك، يُطرح سيناريو ثالث، يقوم على الدخول في مفاوضات جدية وسريعة مع الغرب بهدف التوصل إلى اتفاق شامل في أقرب وقت ممكن، بدلاً من قبول التمديد وتأجيل التفاوض. ويكمن الخطر في سيناريو التمديد بأنه يُبقي البلاد في حالة “تعليق” مستمرة، وسط استمرار العقوبات، وغياب اليقين حول مستقبل الهدنة، ما يضرّ بالاقتصاد الإيراني المتأزم وبالاستقرار الاجتماعي.

ويأتي ذلك في وقت تتفاقم فيه الأزمات الداخلية، وعلى رأسها أزمة المياه، التي حذر المسؤولون من تفاقمها في المدن الكبرى وفي عموم البلاد. ولعلّ الخروج من هذا المأزق سيخلق فترة من الهدوء والاستقرار في السياسة الخارجية، كي تتمكن الدولة من التركيز على القضايا الحيوية التي تمسّ حياة المواطنين.

كوروش أحمدي
دبلوماسي إيراني سابق

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى