من الصحافة الإيرانية: آلية الزناد والاقتصاد الإيراني

تفعيل آلية الزناد يضع إيران على أعتاب العودة إلى مرحلة العقوبات الشاملة التي فرضها مجلس الأمن، وهي عقوبات وإن لم تستهدف الاقتصاد العام بشكل مباشر، إلا أنها تضفي شرعية على الضغوط الأحادية.

ميدل ايست نيوز: تفعيل آلية الزناد يضع إيران على أعتاب العودة إلى مرحلة العقوبات الشاملة التي فرضها مجلس الأمن، وهي عقوبات وإن لم تستهدف الاقتصاد العام بشكل مباشر، إلا أنها تضفي شرعية على الضغوط الأحادية، وتفتح مسارًا قانونيًا جديدًا يمكن أن يزيد من عزلة إيران على الساحة الدولية. والسؤال المطروح اليوم: إلى أي مدى ستظل يد إيران مفتوحة للتفاوض والمساومة في ظل هذه المواجهة الجديدة؟ وهل لا تزال هناك فرصة لتسوية شاملة تتجاوز الاتفاق النووي قبل فوات الأوان؟

لفهم أهمية هذه الآلية وتداعيات إعادة تفعيلها بما قد يشمل إعادة العمل بستة قرارات أممية ضد إيران، من المفيد تحليل بعض الفرضيات. ولا بد من الإشارة هنا إلى أحد أكثر الأسئلة المطروحة: هل ستتأثر علاقات إيران الاقتصادية فعليًا مع الصين وروسيا في حال إعادة تفعيل تلك القرارات؟

للإجابة، يجب الإشارة إلى أن تلك القرارات لا تتضمن عقوبات مالية أو اقتصادية شاملة ضد إيران. ومع ذلك، فإن إعادة العمل بها من شأنه خلق أجواء سلبية وتوسيع دائرة التشاؤم في أوساط المستثمرين والشارع الإيراني، مما قد ينعكس سلبًا على الاقتصاد والمجتمع بصورة غير مباشرة.

تركز القرارات الأممية  في جوهرها على برنامج إيران النووي والصاروخي وبعض أنواع الأسلحة التقليدية، وقد فرضت عقوبات واسعة النطاق في هذه المجالات. ومن النقاط المحورية في القرار 1929، السماح للدول بتفتيش السفن في المياه الدولية إذا شكت في خرق تلك السفن لقرارات مجلس الأمن، بينما كان القرار 1803 قد دعا الدول إلى تفتيش الشحنات الجوية والبحرية القادمة من إيران أو المتوجهة إليها للتحقق من التزامها بتلك القرارات.

وعليه، ورغم عدم احتواء هذه العقوبات على بنود اقتصادية أو مالية عامة، إلا أنها قد تضع عراقيل أمام علاقات إيران مع الصين وروسيا من ناحيتين: أولًا، بإضافة طبقة جديدة من التعقيد على ما هو قائم أصلًا من ضغوط ناتجة عن العقوبات الأميركية الأحادية، ما يجعل بيئة العمل أصعب. وثانيًا، لأنها توفّر غطاءً قانونيًا دوليًا للولايات المتحدة وأوروبا لتبرير استمرار أو توسيع عقوباتهما الأحادية، بينما في حال غياب مثل هذه القرارات، تبقى تلك العقوبات الأميركية دون شرعية دولية وتُدان عادةً في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

مع ذلك، تملك إيران بعض الأوراق التي يمكن أن توظّفها في التعامل مع أوروبا والولايات المتحدة. فمثلًا، أمن الطاقة والممرات البحرية مسألة بالغة الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة، وإيران تضطلع بدور محوري في مياه الخليج ومضيق هرمز. كذلك، فإن أمن حلفاء واشنطن في مجلس التعاون، واستقرار المنطقة عمومًا، يندرج ضمن أولويات السياسة الأميركية، التي تسعى لتجنّب اندلاع حرب شاملة قد تهدّد أمن تلك الدول. ويفضّل صناع القرار الأميركيون الوصول إلى تفاهم مع طهران يسمح لهم بتقليص وجودهم العسكري في المنطقة، والتفرغ لأولوياتهم الاستراتيجية الأخرى، لا سيما الصين وروسيا.

لكن هذه الأوراق التفاوضية، حسب التحليل، لطالما طغى عليها الملف النووي الإيراني. وقد تكون طهران قادرة الآن، عبر تعزيز دبلوماسيتها الإقليمية —خصوصًا تقاربها الأخير مع السعودية والإمارات— على تخفيف بعض الضغوط الغربية المحتملة في حال تفعيل آلية الزناد. فدول المنطقة، وعلى رأسها السعودية، لا ترغب في اندلاع حرب شاملة قد تضر بأمنها. غير أن هذه الدول، وإن لم تكن مؤيدة للحرب، ليست بالضرورة حريصة على تعزيز مكانة إيران الإقليمية أو مساعدتها على تجاوز أزماتها.

وتكمن المشكلة الأعمق، بحسب التحليل، في أن إيران تقع خارج سلسلة الإنتاج العالمية، ما يجعل تقليص قدرتها الاقتصادية والتجارية لا يحمل أثرًا يُذكر على الاقتصاد الدولي، وخصوصًا الأوروبي. ورغم أن قرارات مجلس الأمن لا تتضمن عقوبات مالية أو اقتصادية عامة، ما قد يوحي بأن الصين وروسيا لن تتأثرا كثيرًا، إلا أن المناخ الدولي السلبي الذي ستخلقه تلك القرارات قد يُضعف أيضًا علاقات إيران التجارية، لا سيما صادرات النفط إلى الصين وبعض التبادلات الاقتصادية مع موسكو.

كوروش أحمدي
دبلوماسي إيراني سابق

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى