من الصحافة الإيرانية: التفاوض مع أوروبا في ظل عدم التفاهم مع واشنطن

إن محادثات إسطنبول لا تحدد فقط مستقبل البرنامج النووي الإيراني، بل تُعنى بمصير الدبلوماسية في نظام عالمي يبدو أنه يعود تدريجيًا إلى منطق القوة.

ميدل ايست نيوز: في ظل حالة الصمت والقلق التي خيّمت على مسار الدبلوماسية النووية الإيرانية لأسابيع، أعادت المحادثات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والترويكا الأوروبية في إسطنبول فتح نافذة – وإن كانت هشّة – نحو استئناف المسار التفاوضي.

وكتبت صحيفة شرق، أن هذه المحادثات لم تجرِ في أجواء دبلوماسية طبيعية، بل في سياق من التوتر والعداء والتهديد؛ من قصف منشآت نووية إيرانية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، إلى تهديد صريح من الدول الأوروبية الثلاث بتفعيل آلية الزناد. وقد طغى على مشهد إسطنبول خليط معقد من الدبلوماسية والقوة؛ إذ اجتمعت فيه الآليات القانونية من جهة، والتهديدات بالصواريخ والعقوبات من جهة أخرى.

المفاوضات مع أمريكا: شروط العودة

وبحسب بعض الخبراء في السياسة الخارجية، فإن التفاوض مع أوروبا في غياب تفاهم مع الولايات المتحدة لن يؤدي إلى نتيجة حقيقية، إذ لا تملك أوروبا استقلالية كافية في القرار، ولا تُظهر واشنطن التزامًا فعليًا باتفاقات تبرمها الترويكا الأوروبية. ولذلك، يرى هؤلاء أن على إيران أن تستأنف في الوقت ذاته محادثاتها غير المباشرة مع الولايات المتحدة، وفق شروطها.

وتتمثل الشروط الإيرانية في نقطتين واضحتين: أولًا، الامتناع عن أي هجوم خلال فترة المفاوضات، وثانيًا، التوصل إلى اتفاق يحقق مبدأ الربح المتبادل، يتضمن رفع العقوبات، ودفع تعويضات عن الحرب التي استمرت 12 يومًا، وضمان حق إيران في التخصيب، مقابل تقديم طهران ضمانات بشأن عدم سعيها لإنتاج قنبلة نووية.

لقاء مع الدول الصديقة

في موازاة ذلك، عُقد اجتماع ثلاثي بين إيران وروسيا والصين في طهران، تمحور حول آلية الزناد والملف النووي الإيراني، في إشارة إلى سعي إيران لتوسيع تحركاتها متعددة الأطراف في مواجهة المحور الغربي. وتسعى طهران، بدقة وواقعية، إلى الحفاظ على دعم موسكو وبكين، بهدف بلوغ تفاهم متوازن من خلال مفاوضات إسطنبول، رغم أن هذه المحادثات تتجاوز في مضمونها حدود الاتفاق النووي، لتطال مصير النظام الدولي والدبلوماسية في عالم يعاود الانجراف نحو منطق القوة.

وعلى الرغم من اختلاف مقاربات كل من إيران والدول الأوروبية، فإن أمام الأطراف المعنية حتى نهاية أغسطس 2025 فقط لتفادي انهيار نهائي لأحد أبرز اتفاقات الحد من التسلح في القرن الحادي والعشرين.

في هذا السياق، يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات رئيسية:

  1. اتفاق مشروط أو محدود: وفيه يتوصل الطرفان، بناءً على إدراك خطورة التصعيد، إلى تفاهم محدود، تقدم فيه أوروبا حوافز جزئية مثل تعليق بعض العقوبات أو تسهيل المعاملات المالية مقابل ضبط إيران لمستوى التخصيب أو قبولها بشفافية جزئية تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك مصير اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪، سواء تم دفنه أو تدميره. من شأن هذا السيناريو أن يُخفض التوتر سياسيًا واقتصاديًا بشكل مؤقت، ويُبقي على قنوات الحوار مفتوحة، لكنه سيبقى دون ضمانات تنفيذ طويلة الأمد، مع استمرار حالة انعدام الثقة.
  2. العودة إلى الاتفاق النووي أو اتفاق شامل: يتضمن هذا السيناريو إحياءًا كاملاً أو جزئيًا للاتفاق النووي بمشاركة مباشرة من الولايات المتحدة. ويتطلب الأمر تخفيف المواقف المتشددة، ووقف التحركات التصعيدية، والعودة إلى صيغة تفاوضية تقوم على مبدأ الربح المتبادل، كما أشار نائب وزير الخارجية الإيراني. ويمكن أن يُفضي هذا الخيار إلى استئناف الدبلوماسية النووية بشكل كامل، ورفع الضغوط الاقتصادية، وفتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية والتعاون الإقليمي، لكنه يتطلب إرادة سياسية قوية في طهران وواشنطن والعواصم الأوروبية.
  3. فشل المفاوضات وتفعيل آلية الزناد: في حال تعثر التفاهم، فإن تفعيل آلية الزناد وعودة عقوبات مجلس الأمن سيشكل السيناريو الأخطر والأكثر ترجيحًا. وقد ترد إيران حينها بخطوات تصعيدية، كاحتمال الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT) أو وقف كامل للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. هذا السيناريو يحمل مخاطر كبيرة، منها عزلة إيران دوليًا، وتزايد الصراعات الإقليمية، واندلاع مواجهات مباشرة جديدة، وانهيار كامل لهياكل الاتفاق النووي، وتقويض مصداقية المؤسسات الدولية، وتفاقم الاستقطاب العالمي بين محور إيران وروسيا والصين من جهة، والمعسكر الغربي من جهة أخرى.

وعليه، فإن محادثات إسطنبول لا تحدد فقط مستقبل البرنامج النووي الإيراني، بل تُعنى بمصير الدبلوماسية في نظام عالمي يبدو أنه يعود تدريجيًا إلى منطق القوة. وتجد أوروبا نفسها أمام خيار مصيري: إما استعادة دورها كوسيط مستقل في سبيل الحفاظ على الاتفاق، أو الارتهان لنهج المواجهة الذي تتبناه واشنطن وتل أبيب. أما إيران، فتحاول من جانبها ألا تُغلق باب الحوار، مع الاحتفاظ بأوراق الردع؛ عبر المحادثات الفنية مع الوكالة الدولية، أو المبادرات الإقليمية والمتعددة الأطراف. وفي نهاية المطاف، سيكون التوازن بين العقلانية والضغط، حتى نهاية الصيف، هو العامل الحاسم في تحديد ما إذا كانت هذه الأزمة ستتجه نحو ترسيخ السلام أم نحو تصعيد جديد.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر − أربعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى