من الصحافة الإيرانية: من تحالف السلام إلى تحالف الحرب… أوروبا تستعد للتحول الاستراتيجي

تعد زيارة المستشار الألماني إلى لندن وتوقيع معاهدة ثنائية دفاعية تُعرف بـ"معاهدة كينزينغتون" بين ألمانيا وبريطانيا في 17 يوليو الجاري، تحولاً بالغ الأهمية في تاريخ التحولات الاستراتيجية في أوروبا.

ميدل ايست نيوز: تعد زيارة المستشار الألماني إلى لندن وتوقيع معاهدة ثنائية دفاعية تُعرف بـ”معاهدة كينزينغتون” بين ألمانيا وبريطانيا في 17 يوليو الجاري، تحولاً بالغ الأهمية في تاريخ التحولات الاستراتيجية في أوروبا. هذه المعاهدة، التي سبقتها 18 جولة من المفاوضات خلال السنوات القليلة الماضية، لا تُعد الحدث الاستراتيجي الوحيد في القارة، إذ سبقتها بأيام زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لندن، في أول زيارة من نوعها يقوم بها زعيم أوروبي إلى بريطانيا منذ عام 2020.

هذه اللقاءات، إلى جانب تصريحات صدرت عن ساسة وعسكريين ومراكز أبحاث العلاقات الدولية الأوروبية، تُظهر أن أوروبا تمرّ بمرحلة إعادة تشكّیل استراتيجية عميقة. والسؤال المطروح هو: كيف يمكن تحليل طبيعة هذا التحوّل في التفكير الاستراتيجي الأوروبي وهويته الأمنية الجديدة؟ الإجابة تكمن في ثلاث نقاط رئيسية: تغيّر النظرة إلى الأمن، والسعي إلى إعادة صياغة العلاقات الأمنية، وابتكار أساليب جديدة في التنظيم الاستراتيجي.

النظرة الأمنية الأوروبية شهدت تحوّلاً جذرياً، وكانت نقطة التحوّل الكبرى هي الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا في عام 2022. هذا الحدث، بغض النظر عن دوافعه، غيّر بشكل جذري التصورات الأوروبية حول أمنها. فقد أنهت الحرب الأوكرانية أكثر من سبعة عقود من الاستقرار الأمني النسبي في العلاقات مع روسيا، ومنذ ذلك الحين، باتت موسكو تُعتبر التهديد الرئيسي لأمن القارة الأوروبية.

هذا التحوّل في الرؤية الأمنية يتقاطع مع تطورات أخرى في العلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا، لاسيما مع عودة دونالد ترامب إلى الحكم. تصوراته ومواقفه وسلوكياته تجاه ثلاثة ملفات رئيسية أثّرت بعمق في التفكير الأمني الأوروبي.

أولاً، رؤيته لموسكو، وللرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والنزاع الأوكراني، والتي وإن شهدت بعض التغييرات في الأسابيع الأخيرة، إلا أن الأوروبيين لم يتقبلوا خطاب وسلوك ترامب خلال حملته الانتخابية وما تلاها من مواقف في بداية ولايته الثانية، واعتبروها غير منسجمة إطلاقاً مع تصوراتهم الأمنية.

ثانياً، مواقف ترامب تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لا سيما دعواته المتكررة لزيادة الإنفاق الدفاعي للدول الأعضاء، والتي طُرحت بشكل واضح خلال قمة لاهاي. ورغم محاولات التوضيح، فإن الأوروبيين يدركون وجود شكوك أميركية عميقة تجاه جدوى المؤسسات الدفاعية متعددة الأطراف.

ثالثاً، النظرة المتعالية التي يحملها المحافظون في واشنطن تجاه أوروبا، والتي تجلت بشكل واضح في تصريحات نائب الرئيس الأميركي، ونس، خلال مؤتمر ميونيخ للأمن. هذا الشعور الأوروبي بالإهانة ليس بالأمر العابر، فالرؤى الاستراتيجية تتأثر ببُنى نفسية وسياسية تُحفّز على اتخاذ قرارات فعلية في ميدان السياسات الدفاعية.

هذا التغيير في الرؤية أدى إلى سلسلة خطوات في القارة، أبرزها إعادة تعريف العلاقات بين بريطانيا والدول الأوروبية الكبرى الأخرى. فمعاهدة الدفاع الألمانية البريطانية، الأولى من نوعها منذ سبعين عاماً، تُقرّب بين البلدين في مجالات التكنولوجيا العسكرية والعقيدة الدفاعية وإدارة الأزمات الأمنية ومراقبة الهجرة وتعزيز التواصل بين الشعوب. ومن المنتظر أن تُعقد بعد توقيع المعاهدة لقاءات دورية على مستوى القادة والوزراء والخبراء، بهدف تحقيق تنسيق تحليلي وعملياتي واسع، وهو نمط جديد من العلاقات الأمنية في أوروبا.

هذه العلاقات الأمنية والاستراتيجية تُنتج نمطاً جديداً من التنظيم لهوية ونشاط الفاعلين الأوروبيين، يمكن رصد ثلاثة مستويات له. المستوى الأول يتمثل في تعميق التعاون الاستراتيجي الثنائي، كما هو الحال بين ألمانيا وبريطانيا.

المستوى الثاني هو التعاون الاستراتيجي الثلاثي بين ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، حيث تُعزز العلاقات الثنائية من فرص بناء أُطر ثلاثية فاعلة.

أما المستوى الثالث، فيكمن في التعاون الأوروبي متعدد الأطراف في المجال الاستراتيجي، سواء داخل إطار الناتو أو خارجه. وقد لخّص مارك ليوبارو، رئيس المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، هذا الواقع بدقة حين كتب أن “الاتحاد الأوروبي كان تحالفاً من أجل السلام، لكنه الآن يتحوّل إلى تحالف من أجل الحرب”. ما يبدو واضحاً هو أن أوروبا، وقواها الكبرى، باتت تفكر على نحو أكثر عسكريةً وأمنيةً من أي وقت مضى.

 محمد کاظم سجاد بور
دبلوماسي إيراني 

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى