شروط إيران لكسر الجمود في المفاوضات مع الولايات المتحدة
مع بدء العد التنازلي لتحديد مصير القرار 2231، لا تزال الرؤية غير واضحة بشأن إحياء الاتفاق النووي السابق أو التوصل إلى بديل عنه.

ميدل ايست نيوز: في ظل اقتراب موعد انتهاء مفعول القرار 2231، تتزايد المساعي لإحياء المسار الدبلوماسي بشأن الملف النووي الإيراني، فيما وضعت السلطات الإيرانية، في مواقف متناسقة وصريحة، شروطاً محددة لاستئناف الحوار مع الولايات المتحدة. وترى طهران أن هذه الشروط ليست “شروطاً مسبقة”، بل هي ضرورات لضمان “مفاوضات حقيقية وفعالة”.
وحسب تقرير لوكالة إرنا الإيرانية الرسمية، تأتي هذه التحركات على خلفية تصاعد حدة انعدام الثقة بين إيران وواشنطن، والتي بلغت ذروتها بعد الهجمات المنسقة فجر 12 يونيو، والتي جرت بعلم مسبق من الولايات المتحدة، وشاركت فيها مباشرة، مستهدفة ثلاثة مواقع نووية إيرانية، وذلك قبيل جولة سادسة من المفاوضات كانت مرتقبة بين الطرفين. وتعتبر طهران أن هذه الهجمات تؤكد استمرار واشنطن في نهج الضغط العسكري المتزامن مع التفاوض.
في المقابل، يبدو أن من أبرز محاور المحادثات الجارية بين إيران والترويكا الأوروبية في إسطنبول، احتمال تعليق قرار تفعيل آلية “العودة التلقائية للعقوبات” (الزناد) من قبل الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق النووي، مقابل عودة إيران إلى طاولة المفاوضات مع واشنطن. ورغم أن هذا الطرح لم يُعلن رسمياً من الجانب الأوروبي، إلا أنه يحظى بثقل كبير في تقييم المحللين لمسار التطورات الدبلوماسية المحتملة.
وخلال الأيام الأخيرة، صدرت سلسلة من المواقف الرسمية من مسؤولين إيرانيين بارزين بشأن العودة إلى المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، وقد أجمعوا جميعاً على ضرورة توفير “ظروف واقعية لمفاوضات فعالة”.
وتؤكد طهران أن المطلب الأساسي لأي تقدم دبلوماسي يتمثل في إنهاء “الازدواجية السلوكية” للولايات المتحدة، معتبرة أن التفاوض تحت التهديد بالقصف والعقوبات ليس فقط غير منطقي، بل أيضاً يفتقر إلى الشرعية السياسية والقانونية. وقد تحوّل هذا الخطاب، خصوصاً بعد هجمات 12 يونيو، إلى موقف سائد في الأوساط الدبلوماسية الإيرانية. ويدل على ذلك تصريحات إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، الذي قال: “لا نملك أي خطة حالياً للحوار مع أمريكا”، مضيفاً أن “الدول الأوروبية وأمريكا مدينون للشعب الإيراني بدينٍ كبير، سياسياً وإنسانياً”.
من الصحافة الإيرانية: التفاوض مع أوروبا في ظل عدم التفاهم مع واشنطن
ومع ذلك، وفي ظل حساسية الوقت وإمكانية تفعيل آلية الزناد من الجانب الأوروبي، تبدو الأسابيع المقبلة حاسمة. وقد أعلنت إيران أنها لا تزال تفتح باب الدبلوماسية، لكن ذلك مشروط بـ”تغيّر ملموس في سلوك الطرف المقابل”، وهو تغيير يجب أن ينعكس في الواقع العملي، وفي بنية أي اتفاق مستقبلي.
ومع بدء العد التنازلي لتحديد مصير القرار 2231، لا تزال الرؤية غير واضحة بشأن إحياء الاتفاق النووي السابق أو التوصل إلى بديل عنه. إلا أن رسالة طهران واضحة: لا مفاوضات من دون ضمانات، لا مفاوضات من دون رفع العقوبات، ولا مفاوضات من دون احترام الحقوق المشروعة لإيران.
وفي هذا السياق، قال علي بيكدلي، أستاذ العلاقات الدولية والمحلل في الشؤون الخارجية، في مقابلة مع وكالة إرنا الحكومية، إنه “بعيداً عن ثنائية التفاوض أو عدمه التي تهيمن على المشهد السياسي في إيران، فإن العلاقات بين طهران وواشنطن دخلت مرحلة معقدة وصعبة”. وأضاف: “في ظل تردد الولايات المتحدة في العودة إلى طاولة المفاوضات، يجب أن نتمكن أولاً من حلّ خلافاتنا مع أوروبا من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبعدها يمكن التوجه نحو واشنطن”.
واعتبر بيكدلي أن الوضع الراهن بات “شديد التعقيد” سواء من حيث علاقات إيران مع أوروبا وقضية آلية الزناد، أو في ما يخص الولايات المتحدة، موضحاً أن “أطراف الضغط الأربعة: أمريكا، وأوروبا، وإسرائيل، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، تضيّق الخناق على إيران”. وشدّد على ضرورة خفض التوتر عبر التعاون مع الوكالة، مشيراً إلى أن السياسة “مرنة وتتغير مع الزمن”، ولا يمكن لمن يمارس السياسة أن يظل أسير مواقفه السابقة.
ودعا أستاذ العلاقات الدولية إلى “إعادة النظر في الاستراتيجيات والانتظارات”، مؤكداً أن على إيران “السعي إلى اتفاق مع الأوروبيين على الأقل”، محذّراً من أن “فشل هذا المسار قد يؤدي إلى واقع يفرض الاستعداد لسيناريوهات أمنية وعسكرية محتملة”. وختم بالقول: “من دون تسوية الخلاف مع أوروبا بشأن آلية الزناد، لا إمكانية لأي مفاوضات مع الولايات المتحدة”.