من الصحافة الإيرانية: رفض سعودي لطلب أميركي في وقت حساس.. ما هي الدلالات؟
طلبت الولايات المتحدة، الحليف التقليدي لإسرائيل والسعودية، من الرياض خلال تصاعد الهجمات الصاروخية الإيرانية أن توفر جزءاً من مخزونها من منظومات الاعتراض «ثاد» لإسرائيل، وهو طلب قابلته السعودية بالرفض.

ميدل ايست نيوز: كشفت التحولات الأخيرة حول الحرب التي شنتها إسرائيل على إيران، خاصة في تقارير وسائل الإعلام مثل «ميدل إيست آي» و«وول ستريت جورنال»، كشفت مرة أخرى الدور الحساس والمتعدد الأبعاد للمملكة العربية السعودية في موازنة القوة الإقليمية.
من النقاط الرئيسية في هذه التقارير هو رفض السعودية تزويد إسرائيل بمنظومات الدفاع الصاروخي «ثاد» في ذروة حاجة إسرائيل للدعم الدفاعي ضد الهجمات الصاروخية الإيرانية. هذا القرار لم يكن مجرد عدم رغبة فقط، بل يمكن تحليله كجزء من استراتيجية أكبر تقوم على إدارة التوتر بدلاً من تصعيده.
رفض السعودية وقرار ذو دلالة
طلبت الولايات المتحدة، الحليف التقليدي لإسرائيل والسعودية، من الرياض خلال تصاعد الهجمات الصاروخية الإيرانية أن توفر جزءاً من مخزونها من منظومات الاعتراض «ثاد» لإسرائيل، وهو طلب قابلته السعودية بالرفض. ورغم أن هذا القرار قد يُفسر للوهلة الأولى كعدم اهتمام بمصالح حليف غربي، إلا أنه يعكس سياسة أكثر ذكاءً من الرياض تهدف إلى عدم التدخل المباشر في حرب محفوفة بالمخاطر ومحاولة تهدئة الصراع.
السعودية تدرك جيداً أن الانخراط المباشر في صراع التوتر الإسرائيلي قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الخليج، والإضرار بمصالحها الاقتصادية، وإعادة إشعال الصراعات في المنطقة بأسرها. لذلك، وحتى في ظل الضغوط الدبلوماسية الأمريكية، امتنعت الرياض عن إرسال معدات عسكرية حساسة لإسرائيل.
موازنة القوى وتجنب الانحياز
بعد استعادة العلاقات مع إيران، تسعى السعودية إلى تحقيق نوع من التوازن المستدام بدلاً من المواجهة المباشرة في المنطقة. ضمن هذا الإطار، يمكن اعتبار قرار عدم تقديم دعم عسكري لإسرائيل في الأزمة الأخيرة محاولة للحفاظ على هذا التوازن الجديد. كما يعزز هذا القرار الصورة الجديدة التي تحاول السعودية تقديمها لنفسها كلاعب إقليمي معتدل ووسيط، وليس مجرد أداة في استراتيجية الأمن الأمريكي، تقوم بدور موازن ومشارك فعال. ومع استمرار بناء الثقة في العلاقات السعودية-الإيرانية، خاصة بعد زيارة خالد بن سلمان إلى طهران وجهود تعزيز العلاقات، يبدو أن الرياض تسعى لأن تكون مدير أزمة في المنطقة وليس طرفاً في النزاع.
تجربة حرب اليمن وتغيير توجه السعودية
تجربة الحرب المكلفة والطويلة في اليمن، التي جرّت السعودية إلى صراع مستنزف مع الحوثيين، أصبحت الآن درساً استراتيجياً في قرارات الرياض الأمنية. السعودية، التي تعرضت لسنوات لهجمات صاروخية وطائرات مسيرة، اختارت بدلاً من الاستمرار في المواجهة، سياسة تهدف إلى تحييد التهديدات عبر الدبلوماسية وتقليل التوترات. في هذا السياق، كان الانخراط في حرب جديدة بدعم مباشر لإسرائيل سيعيد السعودية إلى ساحة قتال تكون تكلفتها أكبر من فائدتها.
رسالة إلى دول المنطقة والغرب
برفض طلب الولايات المتحدة، أرسلت السعودية رسالة غير مباشرة إلى الدول الإقليمية والعالمية مفادها أن الرياض لا تريد أن تتحول إلى عامل يزيد من تفاقم الأزمات الإقليمية. هذا القرار، رغم أنه قد يُرى على المدى القصير بأنه يضعف موقف إسرائيل، إلا أنه على المدى الطويل يعزز مكانة السعودية كقوة معتدلة وبراغماتية.
في النهاية، يمكن القول إن قرار السعودية بعدم إرسال منظومات «ثاد» إلى إسرائيل لم يكن مجرد خطوة تكتيكية، بل جزء من استراتيجية جديدة لإدارة الأزمات في المنطقة. سياسة تهدف إلى تقليل الصراعات المباشرة، والاستفادة من الأدوات الدبلوماسية، وتثبيت دور الرياض كقوة مستقرة ومستقلة في غرب آسيا.