مؤشرات على تحول في سياسة طهران الخارجية؛ لماذا أصبحت نبرة إيران حادة؟

نبرة الخطاب السياسي الإيراني تشهد مؤخراً تحولاً ملحوظاً، ما يطرح تساؤلاً جوهرياً حول ما إذا كانت طهران بصدد تغيير جذري في سياستها الخارجية.

ميدل ايست نيوز: أعلن سعيد خطيب زاده، نائب وزير الخارجية الإيراني، أن طهران “ليست في عجلة من أمرها للدخول في أي نوع من التفاعل غير المباشر مع الولايات المتحدة”، فيما شدّدت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، يوم أمس، على أن تبادل الآراء مع أوروبا لا يعني بالضرورة السعي نحو اتفاق، ما يثير تساؤلات بشأن ما إذا كانت إيران قد فقدت الأمل في المفاوضات أم أنها تعتمد خطاباً رادعاً لتحقيق مكاسب سياسية.

وكتب موقع رويداد 24، أنه رغم أن إيران، حتى في ذروة الحرب مع إسرائيل والتوترات المباشرة مع واشنطن، كانت تصرّ على إبقاء نافذة الدبلوماسية مفتوحة، فإن نبرة الخطاب السياسي الإيراني تشهد مؤخراً تحولاً ملحوظاً، ما يطرح تساؤلاً جوهرياً حول ما إذا كانت طهران بصدد تغيير جذري في سياستها الخارجية.

من التفاوض إلى الموقف الحاسم

في أعقاب الهجمات الإسرائيلية والرد الإيراني الحاسم، توقّع عدد من المراقبين تصعيداً إيرانياً ضد الغرب، غير أن تصريحات شخصيات مثل وزير الخارجية عباس عراقجي أوضحت أن إيران لا تزال ترى أن مسار الدبلوماسية مفتوح، بشرط مراعاة مصالحها خلال المفاوضات.

وكان عراقجي قد أكد مراراً في لقاءات رسمية أن “نافذة الدبلوماسية لا تزال مفتوحة”، كما أن الاجتماعات الأخيرة مع الممثلين الأوروبيين أكدت استمرار أجواء التفاوض، ولو بحذر. غير أن خطاباً جديداً بدأ يبرز من داخل هذه الأجواء، خطاب يخلو من المجاملات اللفظية ويتجه نحو الإعلان الصريح عن المواقف.

أين بدأت علامات التغيير؟

من أبرز المؤشرات على هذا التغيير كانت تصريحات فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة، التي قالت بشكل واضح إن تبادل الرأي مع أوروبا لا يعني بالضرورة السعي نحو اتفاق. وفي مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، قال وزير الخارجية عباس عراقجي إن “كل شيء يمكن أن يُستأنف. يمكنهم استئناف المفاوضات، ونحن كذلك. لا يوجد وقف رسمي لإطلاق النار، وكل شيء ممكن، وليس على إيران وحدها أن تقلق”.

وأكد عراقجي أن استئناف المفاوضات يستدعي تفسيراً من الطرف الآخر بشأن الهجوم الذي وقع أثناء الجولة السابقة من المحادثات، وقال: “يجب أن نضمن عدم تكرار ذلك، كما ينبغي تعويض الأضرار التي لحقت بنا. ومن البديهي أن أي مفاوضات جديدة لا يمكن أن تتجاهل ما جرى ميدانياً”.

وعن موضوع تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، لم يقدم عراقجي إجابة صريحة، لكنه شدد على أن “التفاوض يهدف إلى إقناعهم بأن التخصيب عند مستوى صفر غير ممكن”.

بدوره، صرح سعيد خطيب زاده، المتحدث السابق باسم الخارجية ونائب الوزير الحالي، في تصريحات ذات طابع تحذيري، قائلاً: “لسنا مستعجلين للتواصل غير المباشر مع الولايات المتحدة”، مضيفاً أن “على واشنطن أن تدرك أنه لا يمكنها مهاجمة سيادة الدول دون حساب”.

ورغم أن هذا الخطاب لا يزال ضمن الإطار الدبلوماسي، إلا أنه ابتعد بوضوح عن روح الحوار، واتخذ طابعاً رادعاً أكثر.

ماذا يقول المحللون؟

وفي قراءة للموقف، كتب رحمان قهرمان بور، المحلل في شؤون السياسة الخارجية، عبر منصة “إكس”: “تصاعد حدة مواقف عراقجي في الأيام الأخيرة قد يكون لأحد السببين: إما أن الصينيين يجرون وساطات مع واشنطن، وإيران تريد رفع سقف خطابها لتحسين موقعها التفاوضي، أو أن القرار داخل النظام بات يعتبر أن التفاوض لن يؤدي إلى نتيجة، ويجب الاستعداد لمواجهة دفاعية”.

كلا السيناريوهين يقدمان تفسيراً لتغيّر سلوك طهران، غير أن واقع المنطقة نفسه يشهد تحولات سريعة، ما يجعل الانتظار لما يُسمّى “فرصة ذهبية” في الدبلوماسية أمراً غير واقعي.

نهج جديد أم رد فعل على خيبة الأمل؟

وفي الأسابيع الأخيرة، لم تُبدِ أوروبا أي إشارات مرونة، بل شهد الخطاب الصادر عن بعض العواصم الغربية تصعيداً ملحوظاً، ما دفع بعض المحللين في الداخل الإيراني للاعتقاد بأن الحكومة تسعى للتخلص من موقفها المتردد، والانتقال إلى خطاب أكثر صرامة.

لكن السؤال الأهم لا يزال مطروحاً: هل هذه النبرة الحادة تمثل تمهيداً لانتزاع تنازلات أفضل في المستقبل؟ أم أن باب الحوار قد أُغلق فعلاً، وإيران تتجه نحو مزيد من المواجهة؟

ورغم المؤشرات المتزايدة على التحول في اللهجة الإيرانية، لا يمكن الجزم بأن طريق الدبلوماسية قد أُغلق تماماً. فقد قال خطيب زاده إن “مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيعودون قريباً إلى إيران”، وهو ما يشير بوضوح إلى استمرار التعاون. لكن لا يزال من غير الواضح مدى هذا التعاون، وكيف ستتطور الأمور في المرحلة المقبلة. وفي الوقت الراهن، يبدو أن طهران اختارت استخدام لهجة أكثر صرامة، ويبقى أن نرى ما ستسفر عنه هذه المقاربة في الأسابيع القادمة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى