من الصحافة الإيرانية: مجلس الدفاع والتجديد السياسي

يأتي تأسيس "مجلس الدفاع" في إيران كتغيير محتمل داخل المجلس الأعلى للأمن القومي، وقد يكون خطوة نحو معالجة التشتت السلطوي، بشرط أن لا يقع في نفس فخاخ المجالس العليا الأخرى.

ميدل ايست نيوز: أفادت تقارير صحفية إيرانية أن المجلس الأعلى للأمن القومي أعلن رسمياً تشكيل هيئة جديدة باسم “مجلس الدفاع”، وهو ما فسره بعض المراقبين على أنه إشارة إلى استعداد الجمهورية الإسلامية لاحتمال اندلاع مواجهة عسكرية جديدة مع إسرائيل. ورغم أن هذا الاحتمال قد يكون دافعاً أساسياً لتأسيس الهيئة الجديدة، إلا أن بعض التحليلات تشير إلى أن السبب الأعمق يعود إلى ما وصف بـ”التشتت المفرط وغير المنضبط للسلطة السياسية” في البلاد، وضرورة تنظيم هذا التشتت في ظل الأوضاع الحرجة الراهنة.

ويرى منتقدو النظام الإيراني أن هيكل السلطة يتركز في قمة هرمية ضيقة، ويعزون العديد من الأزمات إلى هذا التمركز، إلا أن وجهة نظر مقابلة تقول إن بعض المشكلات الحالية ليست ناجمة عن تركّز السلطة، بل عن تشتتها الشديد بين مؤسسات متوازية ومتداخلة.

يحتوي الدستور الإيراني على مؤسسات متعددة ومتوازية في الصلاحيات، ما يخلق حالة من الغموض القانوني حتى لدى خبراء القانون الدستوري. وزاد الوضع تعقيداً مع تأسيس كيانات حكومية وشبه حكومية وغير حكومية عديدة، لا تستند في كثير من الأحيان إلى أسس قانونية واضحة، بل تتصرف بناءً على قرارات تنظيمية أو اعتقادية خاصة بها.

هذه الفوضى الإدارية دفعت البعض لوصف طريقة إدارة الدولة بـ”الإقطاع المؤسسي”، وهو ما أدى إلى تعطيل اتخاذ قرارات استراتيجية، أو صعوبة تنفيذها حتى في حال اتخاذها، ما لم يتحول التنفيذ إلى أمر شبه مستحيل.

وفي محاولة لتجاوز هذا الانقسام، أُنشئت العديد من المجالس العليا في قطاعات مختلفة، لكنها غالباً ما زادت من تعقيد البيروقراطية، وعمّقت تداخل السلطات والوظائف، دون أن تحقق الكفاءة المطلوبة.

وفي هذا السياق، يأتي تأسيس “مجلس الدفاع” كتغيير محتمل داخل المجلس الأعلى للأمن القومي، وقد يكون خطوة نحو معالجة التشتت السلطوي، بشرط أن لا يقع في نفس فخاخ المجالس العليا الأخرى، من غموض في الصلاحيات وتضارب في المهام.

ولتكون هيئة عليا فعالة بحق، ينبغي أن تكون صلاحياتها وحدودها واضحة تماماً، وأن تُعتبر قراراتها، في لحظات النزاع السياسي الحاد حول المصالح المتعارضة، مرجعية حاسمة ومقنعة أمام الرأي العام. غير أن هذا لا يتحقق إلا من خلال الحد من عدد الهيئات المتوازية التي تعمل بمعزل عن بعضها البعض، وتتسبب في إحباط جهود غيرها من المؤسسات. فوجود هيئات موازية كهذه غالباً ما يؤدي إلى إبطال تأثير السياسات والقرارات، ولا يتيح أي فرصة حقيقية أمام هيئة ناشئة لتحقيق تحرك فعلي.

ومن النقاط الجوهرية الأخرى، هو من يتم تعيينه في عضوية “مجلس الدفاع”. فوجود شخصيات لا يعرف عنها المجتمع الابتكار أو الفاعلية، ولا تحظى بثقته، سيُفقد المجلس القدرة على إصدار قرارات حاسمة ومقنعة. فالثقة العامة أو شبه الشاملة بالمجلس وأعضائه هي الركيزة الأولى التي لا غنى عنها لتحقيق الفاعلية والقدرة على إدارة الأزمات.

وفي حين من الطبيعي أن  يضم المجلس عدداً من الأعضاء بحكم مناصبهم الرسمية، فإن اختيار الأعضاء المستقلين يجب أن يكون من بين ذوي الكفاءة والسمعة الطيبة، لا من الشخصيات المكررة التي أثبتت التجربة عدم قدرتها على فهم الأزمات المعقدة التي تمر بها البلاد. وفي حال تكرار هذا النمط في التعيينات، فإن “مجلس الدفاع” الجديد لن يحظى بالثقة اللازمة لتوجيه البلاد نحو حلول لأزماتها، بل سيصبح مجرد تكرار لمجالس عليا أخرى، لم تسهم في حل الأزمات، بل كانت جزءاً منها.

في الختام، إيران بحاجة ماسة إلى “إصلاح سياسي جذري”، وإلى “تحرير إدارة شؤون الدولة من القيود الثقيلة التي تكبلها”، إذا ما أرادت النجاة من أزماتها غير المسبوقة.

أحمد زيد آبادي
صحفي ومحلل في الشؤون السياسية

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إحدى عشر + تسعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى