إيران تسابق الزمن لإصلاح الخلل والهياكل بعد الحرب
كثّفت إيران قراراتها وخطواتها بعد الحرب التي استمرت 12 يوماً مع إسرائيل، بين 13 و24 يونيو/ حزيران الماضي، لمعالجة الخلل والفراغات وإصلاح الهياكل.

ميدل ايست نيوز: كثّفت إيران قراراتها وخطواتها بعد الحرب التي استمرت 12 يوماً مع إسرائيل، بين 13 و24 يونيو/ حزيران الماضي، لمعالجة الخلل والفراغات وإصلاح الهياكل، وكان آخرها الإعلان عن تأسيس مجلس الدفاع أول من أمس الأحد. وتشمل هذه القرارات والإجراءات الإيرانية طيفاً واسعاً من الجوانب السياسية والأمنية والعسكرية والاجتماعية، بدءاً من تشديد العقوبات على العملاء عبر إصدار قانون جديد في البرلمان، وتنفيذ أحكام إعدام بحق عدد من المدانين بالتجسس لصالح إسرائيل، مروراً برفض التفاوض مع الولايات المتحدة بعد الحرب، وإقرار قانون وقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وصولاً إلى إصلاح الهيكل الأمني والعسكري وتعزيز القدرات الهجومية والدفاعية.
وفي هذا السياق، قال نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، الجنرال علي فدوي، للصحافيين، الأحد الماضي، إن القدرة والإمكانيات التي اكتسبتها إيران خلال هذه الفترة القصيرة بعد الحرب “كانت جيدة جداً، وهذا المسار سيستمر”. إلا أن فدوي لم يعط مزيداً من التفاصيل. وتأتي هذه الإجراءات في وقت شدّد فيه القائد العام للجيش الإيراني أمير حاتمي، يوم الأحد الماضي، على ضرورة عدم الاستهانة بالعدو وعدم اعتبار تهديده أمراً منتهياً، مؤكداً أن القدرات الصاروخية والطائرات المسيّرة الإيرانية “ما زالت قائمة وجاهزة للعملية”. كما اعتبر أن بلاده “خرجت منتصرة” في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل.
مجلس الدفاع في إيران
وأعلنت أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أول من أمس، عن تأسيس “مجلس الدفاع الإيراني” في إطار المادة 176 من الدستور، موضحة أنّ هذا المجلس “سيقوم بدراسة الخطط الدفاعية وتعزيز قدرات القوات المسلحة بشكل مركّز”. وتنص المادة 176 من الدستور على أن المجلس الأعلى للأمن القومي يُشكّل، بحسب مقتضيات مهامه، مجالس فرعية مثل “مجلس الدفاع” و”مجلس أمن البلاد”.
وفي هذا الشأن، قال الخبير العسكري الإيراني مرتضى موسوي، إن تشكيلة المجلس تدل على أن الهدف الرئيسي من إنشائه هو إلغاء الموازيّات (العمل الموازي) والحيلولة دون التسريبات المعلوماتية. وأوضح أنه نظراً لمشاركة طيف واسع من المؤسسات والشخصيات في اجتماعات المجلس الأعلى للأمن القومي، حيث يشارك في الجلسات ممثلو عدة مؤسسات، ما بين 30 إلى 40 أو حتى 50 عضواً، يناقشون موضوعاً معيناً، يستغرق الأمر وقتاً طويلاً للوصول إلى نتيجة، فضلاً عن وجود احتمال تسريب المعلومات. لكنه قال إن مجلس الدفاع يتمتع بكامل الصلاحيات التي تعود لرئيس الجمهورية، بالإضافة إلى عضوية رئيسي السلطتين القضائية والتشريعية، وقادة الجيش والحرس الثوري، ورئيس هيئة الأركان المسلحة، ووزير الاستخبارات، وقائد مقر خاتم المركزي (المعني بإدارة عمليات الحرب)، ومندوبين من المرشد الأعلى علي خامنئي.
وأشار موسوي إلى أن هذا المجلس يعادل “حكومة مصغّرة” أو “غرفة عمليات” على غرار المجلس السياسي – الأمني في إسرائيل، وتمنح له كافة الصلاحيات لصنع القرار واتخاذه، وتلتزم جميع التشكيلات والأجهزة بتنفيذ قراراته، ما يلغي البروتوكولات الإدارية والإجراءات البيروقراطية المرهقة واستغراق الوقت، خصوصاً في ظل الأوضاع الحربية التي كان يستلزم فيها جمع عشرين أو ثلاثين عضواً من المجلس الأعلى للأمن القومي لاتخاذ قرار، وهو ما كان يمثل تحدياً، أما اليوم ومع تأسيس مجلس الدفاع وصلاحياته الكاملة، فقد تم حلّ هذه المعضلة.
مهام مجلس الدفاع
من جهته، أوضح الخبير العسكري الإيراني مهدي بختيار، في حديث مع “العربي الجديد”، أن من أهم مهام مجلس الدفاع التنسيق بين الحكومة والقوات المسلحة، وفي الظروف الحالية تزداد حاجة البلاد لهذا التنسيق. وأضاف أن تشكيل هذا المجلس بعدد أقل من الأعضاء سيجعل دائرة اتخاذ القرار العسكري أكثر انضباطاً وتقييداً، فبدلاً من أن تُتخذ القرارات ضمن هيئة موسعة قد تشهد تسريبات، تتحول العملية إلى مجلس أصغر وأكثر انضباطاً ليبتَّ في قضايا استراتيجية مثل بدء الحرب أو إنهائها.
وأشارت وكالة “تسنيم” المحافظة في تقرير، الأحد الماضي، إلى أن من أهداف تأسيس مجلس الدفاع “دعم وتعزيز القدرة الدفاعية الشاملة للبلاد”، و”مشاركة قادة عسكريين آخرين في المجلس إلى جانب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة”، و”الإسراع في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمجال الدفاعي”.
طهران استخلصت العبر من نقاط الضعف
ورأى الخبير الإيراني صلاح الدين خدیو، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الخطوات الإيرانية، كطرح تأسيس مجلس الدفاع وتبنّي القانون الذي يشدد عقوبات الجواسيس، تظهر أن طهران استخلصت العبر من نقاط الضعف الأمني الأخيرة، أو أنها تعرضت لصدمة جدية وتبحث عن حلول وإجراءات عملية لتدارك هذا النقص الكبير وتجاوز الضربات القاسية التي تلقتها في هذا الجانب.
واعتبر خدیو أن مجلس الدفاع بمثابة غرفة حرب دائمة، مشيراً إلى أنه كان في بداية الثورة يسمى “المجلس الأعلى للدفاع الوطني”، ثم تحوّل إلى “المجلس الأعلى للدفاع”، وبعد الحرب الإيرانية العراقية ومراجعة الدستور، تم استبداله بالمجلس الأعلى للأمن القومي. وأوضح أن التفريق بين الإبقاء على مجلس الأمن القومي مع مكانته وتأسيس مجلس الدفاع الجديد يدل على أن إيران بصدد إعادة ترتيب تكتيكاتها وتدابيرها الأمنية كي تتناسب مع الوضع الحربي الجديد.
وأكد أن هذه الخطوات تعكس قناعة المسؤولين الأمنيين بأن احتمال نشوب حرب مع إسرائيل وارد وليس بعيداً، لذا كان من أهداف هذا القرار تعزيز ديناميكية الجهاز الأمني، وتفعيل القطاعات الأكثر حساسية وتعزيز بُعد الدفاع والمواجهة والاستعداد للحروب الخارجية، بالإضافة إلى معالجة مواطن الضعف التي كانت واضحة أخيراً، خصوصاً مع استهداف مواقع اجتماعات المجلس الأعلى للأمن القومي بالقصف. وأكد أنه من المرجح أن يكون مجلس الدفاع أكثر فاعلية وديناميكية، وربما أكثر احترازاً وتشديداً أمنياً.
وحول انعكاسات ونتائج الخطوات التي اتخذتها إيران بعد الحرب، قال خدیو إنه لا يمكن حالياً تقييم ما إذا كانت الإجراءات الأمنية والمضادة للتجسس قد أدت إلى نتائج فورية وملموسة، مشيراً إلى أن التقييم سيكون ممكناً أثناء الأزمات أو المواجهات المقبلة، مستبعداً أن تؤدي هذه التدابير إلى تحسينات فورية، مبدياً أسفه لكثرة الاختراق الأجنبي، خصوصاً أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، في الداخل الإيراني، وهو أمر تكشف خلال الحرب الأخيرة.
تجربة وتحول
من جهته، رأى أستاذ الدراسات الإسرائيلية والفلسطينية بجامعة طهران هادي برهاني أن العدوان الإسرائيلي الذي استمر 12 يوماً شكّل “تحولاً بالغ الأهمية للجمهورية الإسلامية”. وقال، في حديث مع “العربي الجديد”، إن التجربة الأمنية خلال تلك الأيام تركت أثراً عميقاً على نظرة النظام للقضايا الداخلية والخارجية، وباتت السياسات والمقاربات السابقة غير ملائمة لوضع إيران الراهن. وأوضح أن البلاد شعرت بالخطر بشكل يزيد عن أي وقت مضى، وأدركت بوضوح مواطن ضعفها في الداخل والخارج، واستنتجت أنه ما لم تتم معالجة هذه النقائص، سيبقى مستقبل النظام مهدداً ولن يكون بإمكانه مواجهة إسرائيل بنجاح في معارك قادمة.
وأوضح برهاني أن هذه التحولات عززت واقعية السلطة الإيرانية وعقلانيتها، وشجعت على مقاربات أكثر مهنية ووطنية، واقتربت من الشعب في الداخل ومن الآليات الدولية الراسخة في الخارج، مبتعدة تدريجياً عن الدوغما (التشدد) الثورية والأحلام الدينية والتطرف السياسي. وبيّن أن ذلك أدى إلى إضعاف التيارات المرتبطة بتلك الأفكار مثل جبهة الصمود المحافظة المتشددة، بينما عزز موقع القوى الواقعية والمهنية، معتبراً أن هذه الحرب كانت بمثابة إخفاق للرؤية الثورية غير المتخصصة وغير المهنية للمسائل الأمنية.
عودة لاريجاني
ومن بين التطورات اللافتة أيضاً بعد الحرب في إيران، عودة علي لاريجاني، رئيس البرلمان السابق والمستشار الحالي للمرشد الأعلى، إلى دائرة الفعل وصنع القرار في إيران. لاريجاني الذي حاول المحافظون المتشددون إقصاءه عن الساحة السياسية، وتم رفض أهليته للانتخابات الرئاسية عام 2021. وذكرت وكالة “فارس” المحافظة، السبت الماضي، أن لاريجاني سيحل قريباً محل علي أكبر أحمديان في المجلس الأعلى للأمن القومي، ليتولى أحمديان إدارة الملفات فوق الاستراتيجية في مجلس الدفاع. وشغل لاريجاني منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي لمدة عامين تقريباً (2005ـ2007) في فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد، وأثارت تحركاته الأخيرة، بما في ذلك زيارته إلى روسيا ولقاؤه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 20 يونيو الماضي ترجيحا قوياً بحصوله على منصب جديد.
وفي هذا السياق، رأى الخبير الإيراني هادي برهاني، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن عودة لاريجاني تحمل معاني خاصة تستمد أهميتها من كونه من النخب البارزة التي تمثل الجناح الواقعي والبراغماتي والمتخصص في إيران، كما يحظى بثقة المرشد ونخبة من القادة الرسميين وغير الرسميين، مشيراً إلى أن هناك إجماعاً واسعاً داخل إيران حول قدرته على إصلاح الأمور في المشهدين الداخلي والخارجي. ورجح برهاني أن يتولى لاريجاني، بصفته أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، إدارة ملفات هامة، مثل المفاوضات النووية والعلاقات مع الولايات المتحدة والغرب، والمواجهة مع إسرائيل، والسياسة الإقليمية لإيران. وأضاف أن لاريجاني سيسعى أيضاً لتعزيز علاقات إيران مع قوى كبرى كالصين وروسيا، وتحسين علاقاتها الإقليمية مع تركيا والسعودية وباكستان، كما سيعمل على معالجة المشكلات الإيرانية على الصعيد الدولي خصوصاً العلاقة مع الغرب.
وأكد الخبير الإيراني أن لاريجاني يبدو اليوم مدعوماً على نطاق واسع للقيام بهذه المهمة، مشيراً إلى أن معارضة التيارات المتشددة له فقدت الكثير من قوتها إثر تجربة الحرب الأخيرة، فيما يميل الحرس الثوري، الذي تكبّد خسائر بفقدان كبار قادته خلال الحرب، إلى مقاربات أكثر واقعية وبراغماتية، ما يساهم في تعزيز موقع إيران السياسي والعسكري والأمني أمام إسرائيل، ويتيح لها اقتناء تكنولوجيات تسليحية جديدة ومتقدمة من السوق الدولية.