العراق.. قانون الحشد الشعبي في مهب التجاذبات: ضغوط أمريكية وتشظ داخلي

تحول قانون الحشد الشعبي في العراق إلى مأزق تشريعي وسياسي مركب، وسط تباين المواقف داخل البرلمان وتزايد الاعتراضات على توقيت تمريره.

ميدل ايست نيوز: تحول قانون الحشد الشعبي في العراق إلى مأزق تشريعي وسياسي مركب، وسط تباين المواقف داخل البرلمان وتزايد الاعتراضات على توقيت تمريره، وبينما تصفه كتل سياسية بأنه “استحقاق وطني”، ترى أخرى أنه يكرّس عسكرة الدولة ويربك التوازنات القائمة.

وتتقاطع مسارات التشريع مع اقتراب الانتخابات، في وقت تمارس فيه الولايات المتحدة، ضغوطا مباشرة تطالب بعدم تمريره بصيغته الحالية، ومع عجز هيئة الرئاسة عن حسم إدراجه على جدول الأعمال، يبقى القانون عالقا بين التجاذبات المحلية والحسابات الدولية.

ويقول المتحدث باسم كتلة دولة القانون النائب عقيل الفتلاوي، إن “عدم إدراج قانون الحشد ضمن جلسات البرلمان الأخيرة جاء لأسباب سياسية وفنية، فالنقاط الخلافية حول مضامين القانون لا تزال محل نقاش، ما يحول دون التوصل إلى صيغة توافقية نهائية”.

ويشدد الفتلاوي على أهمية “تجنب تمرير قوانين خلافية دون توافق، حرصا على السلم السياسي”.

وفي آخر الضغوط الأمريكية بشأن قانون الحشد الشعبي، أعرب القائم بالأعمال الأمريكي في بغداد، ديفيد فاجن، عن قلق بلاده المتصاعد من المشروع المعروض حاليا داخل البرلمان، معتبرا أن “تمريره سيمنح الفصائل المسلحة غطاء قانونيا، ويعزز من النفوذ الإيراني داخل المؤسسات الأمنية”.

وجاء ذلك خلال لقائه النائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندلاوي، حيث نقل فاجن، اعتراض بلاده على ما وصفه بـ”تشريعات تضعف سلطة الدولة وتكرس ازدواجية القرار العسكري”، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تتابع عن كثب تطورات الملف، وترى في القانون تهديدا لوحدة العراق واستقراره الداخلي، وفق ما نقلته السفارة الأمريكية.

في المقابل، تقول القوى السنية إنها لا تعارض مبدأ تشريع قانون الحشد الشعبي، لكنها تتحفظ على طريقة طرحه داخل البرلمان، حيث جرى إدراجه بشكل مفاجئ في جلسة شهدت انسحاب عدد من النواب السنة والكرد، احتجاجا على ما وصفوه بـ”التفرد والإخلال بالتوازنات السياسية”.

وتشير هذه القوى، في تصريحات عديدة لأعضاء فيها، إلى وجود ملاحظات تفصيلية داخلية تتعلق بآلية توزيع المناصب، وتشكيلة الهيكل التنظيمي، وضمان تمثيل عادل لمكونات المجتمع، مؤكدة أن تمرير القانون بهذه الصيغة يُعد تجاوزا للتوافقات المتفق عليها داخل مجلس النواب.

وغاب قانون “هيئة الحشد الشعبي” عن الجلسات الأخيرة لمجلس النواب، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت الكتل السياسية قد تجاوزت هذا الملف بشكل مؤقت، أو أنها رضخت فعليا للضغوط الدولية، خصوصا في ظل المواقف الأمريكية العلنية الرافضة لمضمون المشروع.

وفي السياق ذاته، يبين مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، إن “الرفض الأمريكي لا يتوقف عند الجوانب الشكلية للقانون، بل يتعلق بجوهره السياسي والأمني، حيث تنظر واشنطن إلى الحشد الشعبي كقوة موازية للجيش العراقي، ترتبط في بنيتها القيادية والفكرية بفصائل مسلحة بعضها مصنّف دوليا ضمن قوائم الإرهاب أو الخطر الإقليمي”.

ويضيف فيصل، أن “الإدارة الأمريكية ترفض أن يتحول هذا الكيان إلى مؤسسة مستقلة داخل الدولة تمتلك امتيازات تشريعية خاصة، لأنها ترى في ذلك تكرارا لتجربة الحرس الثوري الإيراني، وهو ما تعتبره تهديدا مباشرا للتوازن الإقليمي، ولجهود إعادة بناء المؤسسات العراقية وفق المعايير الديمقراطية”.

ويتابع أن “هذا الرفض ليس موقفا معزولا، بل هناك دول أوروبية وخليجية أيضا أعربت عن قلقها من القانون، خشية أن يؤدي إلى تثبيت نفوذ الجماعات المسلحة داخل النظام السياسي، ويخلق حالة ازدواجية حقيقية في القرار الأمني”.

وفي خضم هذه الخلافات المتصاعدة، يرى نواب أخرون داخل تكتل الاطار التنسيقي، أن القانون لم يعد يناقش كملف تنظيمي بحت، بل أصبح يوظف سياسيا ضمن حسابات ما قبل الانتخابات، وهو ما أضعف فرص تمريره في الوقت الراهن.

إلى ذلك، يؤكد النائب ياسر الحسيني، أن “قانون الحشد الشعبي فقد زخمه السياسي منذ أشهر، رغم الإجماع على أهمية إقراره، وذلك بسبب الخلافات العميقة داخل البيت السياسي العراقي”.

ويلفت الحسيني، إلى أن “غياب الاتفاق لا يتعلق فقط بالخلاف بين المكونات السياسية، بل يمتد إلى داخل الكتلة الواحدة، حيث تتباين الرؤى حول توقيت التشريع، وصياغته، وحتى مضمونه”، مشيرا إلى أن “بعض الأطراف ترى أن القانون قد يُستغل في سياق انتخابي، وهو ما يدفعها إلى عرقلته الآن أو تأجيله إلى ما بعد الانتخابات لضمان استثماره شعبيا”.

ويؤكد أن “البيان الأمريكي الأخير مثّل عاملا ضاغطا إضافيا، إذ تم توظيفه من قبل بعض الكتل السياسية كذريعة لتأجيل القانون، رغم أن أصل المشكلة داخلية وتتعلق بغياب التفاهم الحقيقي”.

ويستطرد النائب الحسيني، أن “اللجنة الأمنية سلّمت رئاسة البرلمان مسودة مكتملة منذ أكثر من أسبوعين، وتم إدراج القانون على جدول أعمال جلسة سابقة، لكن تغيّب 164 نائبا أفشل عقد الجلسة، وهو رقم يكشف عن عدم وجود إرادة فعلية لتمرير القانون في هذا التوقيت”.

ووجه رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، في وقت سابق، نداء إلى أعضاء مجلس النواب، بشأن التصويت على قانون الحشد الشعبي.

بدوره، علق النائب الثاني لرئيس البرلمان، شاخوان عبدالله، على قانون الحشد الشعبي خلال مؤتمر صحفي عقد السبت الماضي، قائلا: إن “هناك قوانين اسمها متعلّق بفئة معيّنة، إلا أن تشريعها يضرّ بسائر العراق، هذه رسالة ليس نحن فقط، بل فهمها السنة والشيعة أيضا، وإن تمرير هذا القانون يشكل تهديدا كبيرا للعراق ورسائل الأطراف كانت واضحة بهذا الشأن. لذا، فإن الوقت ليس مناسبا لتشريع هكذا قانون”.

الجدير بالذكر أن رئيس البرلمان، محمود المشهداني، كشف في 14 تموز يوليو الماضي، عن رسائل أمريكية للقادة السياسيين ترفض فيه تمرير قانون الحشد، محذرا من تظاهرات قد تشهدها المدن العراقية خلال الفترة المقبلة، مما سيدفع البلاد إلى إعلان “حكومة طوارئ”.

 

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العالم الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة عشر + ستة =

زر الذهاب إلى الأعلى