من الصحافة الإيرانية: خريطة بديلة للردع بعيدا عن “البرنامج النووي”
تعتمد السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية نموذجًا فريدًا، يعتبره البعض "عزلة استراتيجية طوعية"، وهو ما يجعل من الصعب على إيران تطوير برنامج نووي عسكري دون مواجهة معارضة شاملة.

ميدل ايست نيوز: تواجه إيران منذ 23 عامًا أزمة مرتبطة ببرنامجها النووي، تعود جذورها إلى مزاعم غربية بأن البرنامج يحمل أبعادًا عسكرية. في المقابل، يؤكد كبار المسؤولين الإيرانيين دومًا على الطبيعة السلمية لبرنامجهم النووي، وقد شدد المرشد الأعلى الإيراني في فتوى صريحة على حرمة السلاح النووي.
يستند هذا التأكيد من قبل المسؤولين الإيرانيين إلى إدراكهم العميق لواقع البلاد، وأن امتلاك برنامج نووي عسكري لن يجلب الأمن لإيران، بل سيؤدي إلى تفاقهم التهديدات، ويعرّض الأمن القومي للخطر، ويُلحق أضرارًا جسيمة بالاستقرار والتنمية الاقتصادية، ويُخل بحياة الإيرانيين اليومية. وتستند صحة هذه السياسة إلى عدة مبررات:
- تقع إيران في منطقة شديدة الحساسية جيوسياسيًا، وتُعد من أهم المناطق في العالم من هذه الناحية. وعلى عكس العديد من مناطق العالم الأخرى، تفتقر هذه المنطقة إلى التكامل الإقليمي، وتسودها الخصومات والمنافسات بين معظم دولها. القوى العالمية الأساسية تتحسس بشدة من احتمال تحوّل أحد أطراف هذه المنطقة إلى قوة نووية، لما قد يسببه ذلك من سباق تسلح. كما تُضاف إلى ذلك عوامل أخرى كالثروات النفطية، إسرائيل والأزمة الفلسطينية المستمرة منذ 77 عامًا، والممرات الحيوية، مما يجعل المنطقة أكثر حساسية مقارنة بمناطق مثل جنوب آسيا أو شمال شرقها، حيث امتلكت الهند وباكستان وكوريا الشمالية قدرات نووية في فترات سابقة.
- تعتمد السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية نموذجًا فريدًا، يعتبره البعض “عزلة استراتيجية طوعية”، وهو ما يجعل من الصعب على إيران تطوير برنامج نووي عسكري دون مواجهة معارضة شاملة. فحتى الصين وروسيا، وهما من الشركاء التقليديين لطهران، عارضتا هذا المسار وشاركتا في التصويت لصالح قرارات مجلس الأمن ضد إيران، وهو ما لم يحدث مع دول كالهند أو باكستان أو كوريا الشمالية التي وجدت داعمين أو محايدين بين القوى الكبرى.
- تمثّل مسألة الأمن المضاد (ضد الاستخباراتية) تحديًا كبيرًا، إذ لا يمكن تنفيذ برنامج نووي عسكري فعّال من دون نظام أمني استخباراتي محكم. تجارب الدول الثلاث الأخيرة التي امتلكت سلاحًا نوويًا أظهرت أنها نجحت في ذلك بفضل أجهزة أمنية عالية الكفاءة. وتُظهر تصريحات المسؤولين الإيرانيين وعيًا واضحًا بأن برنامجًا نوويًا جادًا لا يمكن أن يتعايش مع ضعف في هذا المجال.
- يدرك المسؤولون الإيرانيون أن الردع النووي الشامل لا يتحقق بمجرد امتلاك بضع قنابل نووية. بل إن السعي لامتلاك هذه الأسلحة من دون منظومة متكاملة تشمل صواريخ، وطائرات، وغواصات، وقابلية توجيه ضربة ثانية، قد يحوّل القنابل نفسها إلى تهديد مباشر على أمن البلاد بدلاً من أن توفر لها الحماية.
وفي ظل واقع تصبح فيه المراهنة على الخيار النووي العسكري بمثابة الوقوف على حافة الهاوية بشكل دائم، تبرز الحاجة إلى بدائل غير نووية لتحقيق الردع والأمن الوطني. يشمل هذا المسار في جانبه العسكري استراتيجية شاملة تتضمن الدفاع التقليدي، وتطوير برامج الصواريخ والطائرات المسيّرة، وتعزيز قدرات الدفاع السيبراني، ورفع كفاءة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، بالإضافة إلى بناء تحالفات دفاعية مع شركاء حكوميين وغير حكوميين.
أما على الصعيد الدبلوماسي، فيتطلب الأمر العمل على تعزيز التكامل الإقليمي، واعتماد إجراءات لبناء الثقة، وتأسيس منظومة أمن جماعي في مياه الخليج، وإعادة بناء العلاقات مع أوروبا، وتعزيز الشراكات مع الحلفاء الشرقيين، واتباع سياسات لخفض التوتر مع الولايات المتحدة، وتوسيع النفوذ الناعم لتقليص حالة سوء الفهم.
في البُعد الاقتصادي، ينبغي التركيز على رفع العقوبات، وتعزيز المرونة الاقتصادية الداخلية، وتوسيع العلاقات التجارية الخارجية، والانخراط في سلاسل الإنتاج العالمية، والمشاركة في دبلوماسية الممرات اللوجستية، وتنويع مصادر الدخل.
وأخيرًا، يتمثل البعد الأهم في تعزيز العلاقة بين الشعب والنظام السياسي، باعتبار أن هذا العامل هو الأشد تأثيرًا في تحقيق الردع الوطني الشامل.
كوروش أحمدي
دبلوماسي إيراني سابق