من الصحافة الإيرانية: لماذا تتخلف روسيا عن إيران في أوقات الأزمات؟
يبدو أن روسيا لا تدرك تمامًا عمق علاقتها مع الحليف الإيراني، أو أنها تتعمد عدم تحويله إلى التزام. فسياساتها الخارجية ما زالت تُبنى على الربح الآني لا على المصداقية طويلة الأمد.

ميدل ايست نيوز: تزامنًا مع تعقّد المعادلات الجيوسياسية في المنطقة، تحوّل الدور الروسي من شراكة سياسية مع إيران إلى سؤال استراتيجي جوهري: هل تسير موسكو في طريق الاستقرار، أم تشارك في هندسة الأزمات؟
تناولت صحيفة شرق الإيرانية هذا التحول بالقول إن صمت موسكو المدروس، والوعود المعلقة، والسلوك المتعدد الأوجه في اللحظات المفصلية، دفعت إيران إلى إعادة النظر في علاقة كانت تُعتبر يومًا ما ركيزة لسياستها الخارجية، لكنها باتت الآن محاطة بالشكوك والمراجعة.
ولطالما اتسمت العلاقات بين طهران وموسكو بتعقيد سلوكي وافتقار إلى التوازن الاستراتيجي؛ ورغم المظاهر الحليفة، إلا أن هذه العلاقة كثيرًا ما فقدت عمقها الحقيقي في لحظات الحسم.
وأعادت الأحداث الأخيرة، خاصة صمت موسكو اللافت خلال الهجمات التي استهدفت إيران على مدار 12 يومًا، تسليط الضوء على هذه الفجوات الاستراتيجية. ففي وقت كان يُنتظر من موسكو موقف واضح، اختارت الأخيرة التزام الصمت خدمةً لمصالحها. بل إن تصريحات صدرت عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أظهرت أن الروابط الإثنية والسكانية مع إسرائيل تُعدّ أولوية تتقدم على التزاماتها الإقليمية تجاه طهران. هذا السلوك لا يمكن تفسيره فقط في إطار الحسابات الدبلوماسية، بل يُعد امتدادًا منطقيًا لسياسة تقوم على منطق الصفقات.
من تأجيل تسليم منظومات الدفاع الجوي من طراز S-400 ومقاتلات سوخوي-35، إلى التعليق المتكرر للتعاون العسكري، تؤكد التجربة أن الشراكة الروسية الإيرانية ليست قائمة على الثقة المتبادلة، بل على استغلال ظرفي. حين يشتد ضغط الغرب، تبقى إيران في الميدان، لكن عندما يحين دور موسكو في الرد، تأتي المواقف إما بالصمت أو بالتسويف.
هذا النمط كان حاضرًا أيضًا في ملف الاتفاق النووي، إذ لم تكن روسيا شريكًا يُعتمد عليه، سواء خلال المفاوضات أو بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق. ورغم إظهارها دعمًا شكليًا للدبلوماسية، لم تبادر موسكو بأي خطوات جدية، ولا واجهت هيكل العقوبات الغربية، ما أدى إلى تراجع دورها من “حليف استراتيجي” إلى “مراقب محصّن”.
في المقابل، تُظهر مراجعة الأداء الإيراني نتائج مغايرة؛ فإيران، في محطات عدة، كانت بمثابة طوق نجاة لا بديل عنه لروسيا. خلال مواجهة موسكو للعقوبات الغربية المشددة، أفادت من تجربة إيران الطويلة في الالتفاف على القيود المالية والمصرفية والتجارية عبر شبكات التهريب الرمادية، وهي قنوات لم تعترف بها موسكو علنًا، لكنها استفادت منها في الخفاء.
على المستوى السياسي، ساهم تقارب طهران مع موسكو بعد أحداث أوكرانيا في خلق انطباع نفسي وإعلامي بأن روسيا ليست معزولة بالكامل. فعندما كانت موسكو تحت أقسى الضغوط الدولية، شكّل هذا التحالف الإقليمي مع إيران نقطة دعم رمزية أعادت شيئًا من التوازن إلى صورتها الدولية.
رغم ذلك، يبدو أن روسيا لا تدرك تمامًا هذا الاعتماد، أو أنها تتعمد عدم تحويله إلى التزام. فسياساتها الخارجية ما زالت تُبنى على الربح الآني لا على المصداقية طويلة الأمد. هذا المنظور القائم على الصفقات جعل إيران تواجه الضغوط مرارًا من دون تلقي دعم مباشر أو استراتيجي من موسكو.
لكن هذا السلوك الأحادي من قبل الكرملين لا يضر إيران فقط، بل قد يكون بداية لأزمة استراتيجية روسية. فإيران، بخلاف العديد من حلفاء روسيا البعيدين جغرافيًا، كانت عنصرًا عمليًا وفعّالًا في لحظات العزلة الدولية لموسكو، سواء في ميادين النزاع أو في شبكات المقاومة للعقوبات. وإن أُنهكت إيران نتيجة هذا الإهمال، فإن الضربة الأولى ستصيب الكرملين قبل طهران.
تواجه روسيا اليوم تحديات متعددة: ازدياد ابتعاد دول آسيا الوسطى عن “الأخ الأكبر”، تراجع النفوذ في القوقاز، وتقلص قدرة التفاوض في مواجهة الناتو. وفي مثل هذا السياق، فإن فقدان إيران بوصفها شريكًا مكملًا ليس مجرد مخاطرة إقليمية، بل خانق استراتيجي. فطهران تُعد آخر ملاذ آمن لروسيا في الدوائر غير الصدامية مع الغرب، وضياع هذا الملاذ يعني انهيارًا في آفاق سياسة موسكو متعددة الطبقات.
على الكرملين أن يدرك أن استمرار هذا النهج لا يهدد فقط علاقته بإيران، بل قد يكلّفه ثمنًا يفوق العلاقات الثنائية؛ ففي حال تعرضت إيران لأذى كبير، فإن الأثر الاستراتيجي لذلك على روسيا سيتجاوز خسارة خطوط اقتصادية وأمنية، ليصل إلى انهيار نفسي في البنية الإقليمية لموسكو، وقد يكون بمثابة صافرة إنذار لإعادة النظر عالميًا في وزن روسيا الجيوسياسي. لا تزال هناك فرصة أمام موسكو للابتعاد عن أدوارها الخفية في إدارة الأزمات، ورفع مستوى الشراكة مع طهران إلى التزامات واضحة، قبل أن يفوت أوان الترميم.
اقرأ أكثر