إلى أي مدى يمكن لزيارة وفد الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران أن تفتح فصلاً جديداً في المفاوضات؟
عند تتبع مسار المفاوضات النووية بين إيران والغرب منذ محادثات الترويكا الأوروبية عام 2003 وحتى اليوم، لم يُطرح موضوع التخصيب الصفري لليورانيوم كشرط جدي في أي مرحلة.

ميدل ايست نيوز: في الظروف الراهنة، يتركز الطلب الرئيسي الذي يطرحه الغرب على إيران في الوقف الكامل لعمليات تخصيب اليورانيوم، أو ما يُعرف بالتخصيب بنسبة صفر بالمئة. لكن متى ومن بدأ طرح هذا الطلب؟ عند تتبع مسار المفاوضات النووية بين إيران والغرب منذ محادثات الترويكا الأوروبية عام 2003 وحتى اليوم، لم يُطرح موضوع التخصيب الصفري كشرط جدي في أي مرحلة. حتى في الاتفاق النووي، أُقرت لإيران نسبة تخصيب تصل إلى 3.67 بالمئة. وخلال الجولات الأربع الأولى من المفاوضات مع ستيف ويتكوف، لم يُطرح أي نقاش حول وقف كامل للتخصيب، إلا أن هذا الطلب ظهر بين الجولة الرابعة والخامسة، حيث طرحه ويتكوف وتبناه لاحقاً الجانب الأميركي. وسرعان ما تبين أن هذا الضغط جاء نتيجة تأثير إسرائيل التي كانت تخشى من إبرام اتفاق ناجح بين إيران والقوى العالمية وسط تقدم المفاوضات.
المفارقة هنا أن إسرائيل، التي ليست عضواً في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وتملك أسلحة نووية، تضغط عبر الولايات المتحدة لفرض وقف كامل للتخصيب على إيران، وهو ما أدى بطبيعة الحال إلى طريق مسدود في المفاوضات. وخلال الجولة الخامسة، غادر ويتكوف الاجتماع، وتم تحديد موعد الجولة السادسة يوم الأحد، لكن قبل انعقادها شنت إسرائيل هجوماً يُعتقد أنه تم بتنسيق مع واشنطن.
رغم هذه التطورات، لم تتضمن أي من قرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو مجلس المحافظين مطالبة بوقف كامل للتخصيب الإيراني. وفي المفاوضات الأخيرة، جرت مناقشات حول سبل العودة إلى الالتزامات، بما في ذلك العقوبات التي يجب رفعها وكيف يمكن لإيران خفض مستويات التخصيب الفائض. لكن طلب التخصيب الصفري طُرح فجأة من قبل أطراف محددة، مصدره الأساسي إسرائيل. وحتى في الوثائق التي اتهمت فيها الوكالة إيران، لم يُذكر وقف كامل للتخصيب، بل الإشارة إلى تجاوز النسب المتفق عليها في اتفاق عام 2015.
من الناحية القانونية، يحق لإيران وفقاً للاتفاق النووي ومعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية تخصيب اليورانيوم حتى نسبة 3.67 بالمئة، ما يثير تساؤلاً حول الأساس الذي يستند إليه البعض في مطالبتها بالتخلي عن هذا الحق.
إيران من جانبها أكدت استعدادها لمعالجة مخاوف الغرب بشأن مزاعم تصنيع سلاح نووي، لكنها شددت في الوقت نفسه على أنها لن تتخلى عن عملية التخصيب أو تعتمد على أطراف خارجية، في ظل تجاربها السابقة مع خرق التعهدات. كما أنها منعت دخول مفتشي الوكالة، معتبرة أن عمليات التفتيش لا ينبغي أن تكون ذريعة لتسريب معلومات إلى إسرائيل تستخدمها في أعمال تخريبية. وقد أقر البرلمان الإيراني أن جميع أشكال التعاون يجب أن تتم تحت إشراف المجلس الأعلى للأمن القومي.
ومع التغييرات التي تطرأ على بعض الهياكل الداخلية في إيران، من المتوقع أن تسير عملية صنع القرار بدقة أكبر، في محاولة للحفاظ على الحقوق القانونية لإيران وفي الوقت ذاته الرد على المخاوف الغربية التي يغلب عليها الطابع الإسرائيلي. وعلى المدى القصير، تسعى الحكومة الإيرانية إلى الموازنة بين الصمود واستخدام أوراقها التفاوضية للحفاظ على مكاسبها. ورغم المواقف المتشددة والضغوط الواضحة، لا يبدو أن أي طرف قد أغلق الباب نهائياً أمام التفاوض، إذ تلوح مؤشرات على رغبة متبادلة في تجنب مزيد من التصعيد، ما يبقي نافذة، ولو محدودة، أمام المسار الدبلوماسي.
جلال ساداتيان
دبلوماسي إيراني سابق