من الصحافة الإيرانية: تبعات الوجود الصيني في الخليج
أدركت الصين في عام 1970 أن الواقع العالمي يختلف عما كانت تتصوره، وأن النظام الدولي لا يُدار وفقاً لأيديولوجيات، بل وفقاً لمؤشرات مثل الناتج المحلي الإجمالي، والتكنولوجيا، والقدرة الاقتصادية في إطار العولمة، وهي العوامل التي تمنح التأثير في القرارات الدولية.

ميدل ايست نيوز: تحتفظ الصين بعلاقات تاريخية وطيدة مع منطقة الخليج منذ قرون، إذ شهد عهد أباطرة أسرة تانغ امتداد الطريق البحري من الخليج ومضيق هرمز حتى ميناء كانتون في الصين، ليصبح واحداً من أطول الطرق البحرية في العالم. سعى حكام المنطقتين آنذاك إلى تأمين هذا الطريق وتشجيع التجار على تبادل السلع، حتى بات منافساً لطريق الحرير، ولعب دوراً محورياً في تعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية بين الصين ودول الشرق الأوسط وأوروبا.
تزامن ظهور الإسلام مع ازدهار هذا الطريق البحري بين الخليج والصين، وانتقل الدين الجديد عبره، خاصة بواسطة التجار الإيرانيين، إلى الأراضي الصينية، ومنها إلى الهند وإندونيسيا وتايلاند وفيتنام.
في عام 1970، أدركت الصين أن الواقع العالمي يختلف عما كانت تتصوره، وأن النظام الدولي لا يُدار وفقاً لأيديولوجيات، بل وفقاً لمؤشرات مثل الناتج المحلي الإجمالي، والتكنولوجيا، والقدرة الاقتصادية في إطار العولمة، وهي العوامل التي تمنح التأثير في القرارات الدولية. وفي السياسة الصينية، لا وجود دائم لمفهوم “الصديق” أو “العدو”، بل تسعى بكين إلى توظيف التشابك الاقتصادي مع دول غرب آسيا، وخصوصاً دول الخليج، لتعزيز نفوذها والتأثير في قراراتها باستخدام أدواتها الاقتصادية.
تستند الحاجة الصينية إلى الخليج إلى ثلاثة عوامل رئيسية: الموقع الجغرافي والجيوسياسي، والاحتياطيات الهائلة من النفط والغاز، والأسواق الاستهلاكية، فيما يبقى العامل الأهم هو النفط والغاز، إذ يتطلب مسار الصين الاقتصادي كميات متزايدة من الطاقة، وتعد دول مجلس التعاون المصدر الأهم لتلبيتها.
وبالنظر إلى سلوك القوى المؤثرة في النظام الدولي، وارتباطها المباشر بالاستراتيجيات السياسية والأمنية الإيرانية، فإن الولايات المتحدة سعت بعد الحرب الباردة إلى إعادة صياغة هيكل النظام السياسي العالمي تحت مسمى “النظام العالمي الجديد”. وفي رؤيتها الجيوسياسية للقرن الحادي والعشرين، تعتبر واشنطن أن مصادر الطاقة النادرة هي المحرك الرئيسي وصانع القرار، وأن السيطرة عليها تعني التحكم في النظام الدولي.
يمتلك الخليج مزايا واضحة مقارنة بمناطق أخرى من العالم، تشمل انخفاض تكاليف الإنتاج، وسهولة الاستخراج، وفائض القدرة الإنتاجية، وارتفاع جودة النفط الخام، وسهولة النقل، فضلاً عن إمكانية اكتشاف احتياطيات جديدة واسعة.
تحاول الصين أن تلعب دور القوة الذكية في الخليج من دون اللجوء إلى القوة العسكرية، مستندة إلى اقتصادها كأهم أدوات قوتها في السنوات الأخيرة، مع طموحات مستقبلية قد تشمل تعزيز قدراتها العسكرية.
كما تسعى الرؤية الصينية إلى جعل الدول العربية جسراً للتقارب وبناء الشراكات، ومن المرجح أن تقدم هذه الدول في السنوات المقبلة برامج جديدة تدعم “الحلم الصيني” في إطار مشروع التحديث الوطني وتوسيع نفوذه عبر العلاقات الدولية.
محمد بيدكلي
عضو هيئة التدريس في جامعة آزاد الإسلامية وخبير في الشؤون الإيرانية