من الصحافة الإيرانية: ممر ترامب والمخاوف التي تتجاوز الاقتصاد وتهدد الأمن القومي
من الواضح منذ البداية أن مشروع "ممر ترامب" لم يُصمم فقط لمرور المواطنين العاديين أو نقل البضائع بين إقليم نخجوان والجزء الرئيسي من أذربيجان، إذ إن إيران توفر بالفعل مثل هذا المسار لباكو منذ عقود.

ميدل ايست نيوز: “ممر ترامب” هو عنوان مذكرة التفاهم الخاصة بالسلام بين جمهورية أذربيجان وجمهورية أرمينيا. ورغم أن تفاصيل هذه المذكرة ما تزال غامضة، ولم يُكشف عنها بشكل شفاف، إلا أنه لا يُعرف بعد ما إذا كان سيتم المساس بسيادة أرمينيا خلال إدارة هذا المسار من قبل الشركاء الأمريكيين، أو إن كانت هذه السيادة ستبقى قائمة على الشريط الحدودي، وكيف يمكن لدولة صغيرة مثل أرمينيا أن تدافع عن مصالحها في حال بقاء السيادة، وما الضمانات التي ستحميها.
من الواضح منذ البداية أن هذا المشروع لم يُصمم فقط لمرور المواطنين العاديين أو نقل البضائع بين إقليم نخجوان والجزء الرئيسي من أذربيجان، إذ إن إيران توفر بالفعل مثل هذا المسار لباكو منذ عقود، وتتم هذه المبادلات بسهولة ومن دون رسوم عبور، وما تزال قائمة حتى اليوم. ولا يوجد ما يضمن أن يكون هدف هذا الممر، المعروف بممر ترامب، محصورًا في الجوانب الاقتصادية، إذ قد يشكل أيضًا أداة للولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا لتهديد الأمن القومي لإيران، بل وحتى لروسيا والصين. ويعود ذلك، وفق مراقبين، إلى تراكم تعقيدات السياسة الخارجية الإيرانية على مدى العقود الأخيرة، وانشغالها بجبهات أخرى، خصوصًا في غرب البلاد، ما أدى إلى إغفال التطورات في القوقاز.
كما ساهمت ضغوط داخلية من أطراف نافذة، ووجود عناصر ذات ولاءات خارجية، في زيادة الارتباك والضبابية في السياسة الإيرانية تجاه القوقاز. وإلى جانب ذلك، لعبت روسيا دورًا سلبيًا في الحد من نفوذ إيران في جنوب القوقاز خلال العقود الماضية، مع قيامها أحيانًا بعرقلة بعض التحركات الإيرانية. واليوم، وبعد أن وقع كبار مسؤولي أذربيجان وأرمينيا اتفاق السلام واستفادوا من “ممر ترامب”، يبدو أن إيران ستكون الطرف الأكثر تضررًا من هذه التطورات.
وبحسب وسائل إعلام تركية، فقد لعبت أنقرة خلال الأشهر الماضية دورًا محوريًا خلف الكواليس في تقريب وجهات نظر الطرفين. ورغم أن المسار الجديد لا يحقق بالكامل ما كانت تطمح إليه تركيا وباكو من حيث نقل السيادة على الممر إلى أذربيجان، فإنه يخدم مصالحهما التوسعية. وفي المقابل، يضع إيران في مواجهة مباشرة ليس فقط مع تركيا وباكو، بل مع الولايات المتحدة أيضًا. ورغم أن الاتفاق قد يخفف بعض مخاوف أرمينيا من سيطرة أذربيجان وتركيا على المنطقة، فإنه يشكل، بحسب منتقدين، “إيذاءً ذاتيًا استراتيجيًا” من جانب يريفان، إذ إن إدخال الولايات المتحدة إلى حدود روسيا وإيران سيحمل تبعات واسعة، بعضها قد لا يكون متوقعًا.
أدى أيضا توقيع الاتفاق بين الدولتين في القوقاز الجنوبي إلى إقصاء أوروبا من لعب دور فاعل في هذه المنطقة، حيث أعلن الطرفان في البيان الختامي للقمة عن رغبتهما في إنهاء مسار مينسك التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بينما أصبحت الولايات المتحدة اللاعب الأساسي بدلًا من أوروبا وروسيا.
وإلى أن تتضح تفاصيل تنفيذ الاتفاق وتبدأ خطواته العملية، لا يمكن تقييم آثاره بدقة، لكن المؤكد أن تداعياته الجيوسياسية ستتجاوز حدود الدولتين، لتؤثر في دول المنطقة والصين. ومن بين أبرز هذه التداعيات، زيادة عزلة إيران إقليميًا وخلق تحديات جديدة لها. كما أن بعض التصريحات الرسمية الإيرانية الأخيرة بشأن ممر زنغزور، والتي اعتبرها محللون “غير منسجمة مع المصالح الوطنية”، تعكس حالة ارتباك استراتيجي لدى طهران في التعامل مع ملف القوقاز.
ويشير مراقبون إلى أن هذا الارتباك المزمن كان سببًا في إقصاء إيران سابقًا من معادلات القوقاز، وقد يضاف مستقبلًا إلى قائمة طويلة من التهديدات الوجودية التي تواجه البلاد. وللتعامل مع هذه المستجدات، يرون أن التنسيق بين جميع مؤسسات الدولة بات أمرًا بالغ الضرورة، إلى جانب صياغة استراتيجيات جديدة تستفيد من قدرات البلاد في ضوء التحولات الأخيرة. ويؤكدون أن استغلال هذه التطورات لصنع فرص لإيران، بأقل التكاليف الممكنة، يتطلب خططًا دقيقة ومعقدة ومتعددة الأبعاد، شرط أن تُوضع المصلحة الوطنية في الصدارة، وألا يُسمح لأطراف ترى مصلحتها في الانحياز إلى باكو بأن تمسك بزمام المبادرة.
إحسان هوشمند
باحث في الشؤون الإيرانية والكردية والاجتماعية والعرقية