الجدل حول تفعيل «آلية الزناد» بين إيران والقوى الأوروبية: ما الخطوة التالية؟

تصاعدَ الجدل في خلال الأسابيع الماضية بشأن إمكانية اللجوء إلى تفعيل «آلية الزناد» (Snapback) لإعادة العقوبات الدولية على إيران.

ميدل ايست نيوز: تصاعدَ الجدل في خلال الأسابيع الماضية بشأن إمكانية اللجوء إلى تفعيل «آلية الزناد» (Snapback) لإعادة العقوبات الدولية على إيران. وكانت إيران تخضع لعقوبات دولية فرضتها عدة قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي قبل أنْ يُجمّد الاتفاق النووي لعام 2015، والقرار الأممي المصاحب له، العمل بهذه العقوبات. ويتضمن الاتفاق النووي المُبرم بين إيران ومجموعة (1+5) بنداً يُخوِّل الأطراف المشاركة في الاتّفاق بإعادة هذه العقوبات من دون العودة إلى مجلس الأمن في حال ثُبوت عدم التزام الجانب الإيراني.

وفي حين يتحدث المراقبون عن الأثر البالغ للهجمات التي شنّتها الولايات المتحدة على المواقع النووية الإيرانية، وتداعياتها على مسار التخصيب ضمن مستويات عالية، والتي يؤكد وزير الخارجية الإيراني أنها أدّت إلى عطل كبير من شأنه أن يؤجل المشروع النووي الإيراني لتخصيب اليورانيوم لمدة طويلة، تلوّح الترويكا الأوروبية باللجوء إلى هذه الآلية التي من شأنها إعادة الملف النووي الإيراني إلى نقطة الصفر التي انطلقت منها مفاوضات الاتفاق النووي لعام 2015.

ما هي «آلية الزناد» (Snapback)؟

من أجل فضّ الخلافات المحتملة بين إيران والأطراف الموقعة للاتفاق النووي لعام 2015، تضمن نص الاتفاق عدة آليات، أهمها ما يعرف بـ”آلية الزناد”، والتي أشار إليها الاتفاق النووي في البندين السادس والثلاثين والسابع والثلاثين، كما أشار إليها القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن باعتباره ضامناً للاتفاق النووي في البنود 11 و12 و13 منه. وتؤكد الآلية التي وضعت لفض الخلاف بشأن نقض الالتزامات، أنّ من حق الأعضاء الآخرين في الاتفاق النووي (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين) أنْ يلجؤوا إلى مسار يُمكِّنهم من إعادة العقوبات التي فرضتها القرارات 1696 و1737 و1747 و1803 و1835 و1929 على الاقتصاد الإيراني، بعد أن ألغاها القرار 2231 في بنده السابع؛ كما تُؤكّد بشكل ضمني إعادة إيران إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة – حيث التلويح باستخدام القوة لصد إيران عن مشاريعها – بعد أن كان القرار 2231 قد أخرجها منه.

والأهمّ من كُلّ ذلك، هو أنّ الآلية تعني أنّ الأطراف الموقعة للاتفاق النووي تستطيع فعل كل ذلك ضمن مسار يتفادى استخدام “حق النقض” للحؤول دون عودة العقوبات الدولية؛ ففي حين تؤكد المسارات التقليدية أنّ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن تحتاج إلى تصويت، يتضمن احتمالية استخدام “حق النقض” من جانب أي من الأعضاء الخمسة فإن نص الاتفاق النووي يؤكد أن عودة العقوبات الدولية يحتاج إلى طلب أحد أعضاء مجلس الأمن من الموقعين على الاتفاق النووي، ولا يمكن استخدام “حق النقض” للحيلولة دون تطبيقه.

وضمن مسار تفعيل الآلية، ثمة فروق بين نص الاتفاق النووي، ونص القرار 2231 الضامن له؛ فنصّ الاتفاق يُؤكّد أنّه في حال نشوء خلاف بشأن التزام إيران بتطبيق ما تعهّدت به، يحق لأي من الأعضاء أنْ يتقدّم بشكوى إلى اللجنة المشتركة التي تشرف على تطبيق الاتفاق النووي؛ حيث ستكون أمام اللجنة مهلة 15 يوماً للنظر في الشكوى، وفضّ الخلاف أو إحالتها إلى لجنة وزراء الخارجية في حال عدم فضّ الخلاف. وستكون أمام اللجنة الوزارية مهلة 15 يوماً لإيجاد الحلول، على أنْ تستكمل بخمسة أيام إضافية. وبعد هذه المهلة التي تمتدُّ تقنيّاً لنحو 35 يوماً، سيُحال الخلاف على مجلس الأمن الذي سيكون أمام مهلة من 30 يوماً للتصويت بشأن “استمرار العمل بالقرار 2231 الذي يجمد العقوبات”؛ على ألّا يكون لأي من أطراف مجلس الأمن الحق في نقض هذا القرار، بما يعني العودة تلقائيّاً إلى تطبيق القرارات السّتة التي كان قد ألغاها القرار 2231. أما القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن، فيُشير في بنده الحادي عشر إلى أن على مجلس الأمن أن يبدأ مساراً للتصويت على عودة العقوبات بعد 30 يوماً من تقديم أحد الأطراف تقريراً بعدم التزام إيران بالاتفاق النووي، على أن يُعاد تطبيق القرارات الستة المجمدة بشكل تلقائي بعد 10 أيام في حال لم يُقدّم أي من أعضاء مجلس الأمن مشروعاً لقرارٍ يقضي بإعادة العمل بتلك القرارات.

وبغضّ الطرف عن الاختلاف الزمني بين المسار الذي يؤكده نص الاتفاق (65 يوماً) وذلك الذي يتضمنه نص القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن (40 يوماً) فإنّ الحصيلة ستكون عودة العقوبات الدولية على إيران من دون المرور بعقبة “حق النقض” التي كان من شأنها أنّ تُعرقل أيّ إجماع في مجلس الأمن بشأن تفاصيل التعامل مع إيران، وفرض مزيد من القيود عليها؛ إلى جانب إعادة إيران إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتضمن حق استخدام القوة للتصدي للبرامج الإيرانية على صعيد البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي، بعد أن كان القرار 2231 قد أخرجها منه، ووضعها ضمن الفصل الخامس.

أهميّة آلية الزناد

تحظى “آلية الزناد” التي تضمنها الاتفاق النووي وشكلت موضع جدل ساخن في الأوساط الإيرانية منذ اليوم الأول من توقيع الاتفاق النووي، بأهمية كبيرة كونها تضمن إعادة العقوبات الدولية على الاقتصاد الإيراني من دون المرور بعقبة “حق النقض” الذي من المرجح أنّ كلا من الصين وروسيا كانتا ستلجآن إليه في الظروف العادية لإجهاض المحاولات ضد إيران. لكنّ أهمية الآلية لا تقتصر على هذا الأمر فقط؛ إذ تكتسي أهمية بالغة من عدّة جهاتٍ أخرى:

  • بوصفها سيفاً مسلطاً على إيران، أدت الآلية دوراً فاعلاً في اضطرار طهران إلى دخول مسار المفاوضات النووية، وإقناع مؤسسة “بيت القائد”، ودوائر الدولة العميقة في طهران بضرورة الانخراط في هذا المسار؛ فعلى الرغم من أن اتساع رقعة العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على الاقتصاد الإيراني غداة انسحابها من الاتفاق في مايو 2018، والمستوى العالي من التزام الأطراف الدولية به، إلا أن عودة المظلة الدولية إلى العقوبات المفروضة على إيران، سيحمل معه تداعيات رمزية لا يستهان بها، كما سيؤدي إلى توقف الصين – وأطراف أخرى – عن التزود بالنفط الإيراني، بعد أن كان قد وفر لها كميات كبيرة من النفط الرخيص، ووفّر لإيران مصدر دخل منحها قوة إضافية للصمود في وجه العقوبات الأمريكية. وفي ضوء ارتفاع المطالبة بتفعيل “آلية الزناد” مع اقتراب موعد نهاية الاتفاق النووي في 18 أكتوبر المقبل بدت إيران مضطرة للانخراط في مسار تفاوضيٍّ من شأنه أن يوقف التهديد القادم نتيجة التوصل إلى توافق جديد أو التوصل إلى توافق لتمديد مهلة فاعلية “آلية الزناد”، بما من شأنه أن يرفع السيف عن رقبتها. وقد استخدمت الحكومة الإيرانية، والأوساط المقربة منها هذه الآلية للضغط على صانع القرار السيادي، للعودة إلى طاولة المفاوضات بشأن البرنامج النووي، كما استخدمتها من أجل الخضوع لمنطق المفاوضات مع الأطراف الأوروبية والولايات المتحدة بعد حرب الـ 12 يوماً. إنها بهذا المعنى آلية لتحريك ماكنة الدبلوماسية والمفاوضات اتقاءً لشرٍّ قادم.
  • بينما تعمَّدت إدارة ترمب والجانب الإيراني تهميش الأطراف الأوروبية، والصين، وروسيا من مسار المفاوضات النووية في حلتها الأخيرة، فإن “آلية الزناد” كانت الضامن الأساسي للأطراف الأوروبية للتأثير على مسار المفاوضات ومخرجاتها، كونها الآلية التي تمنحهم حقّاً في إعادة عقوبات دولية لا يمكن لكل من واشنطن وطهران أن تتجاهلها. واكتسبت هذه الآلية الضامنة للدور الأوروبي أهميةً أكبر بعد أن فشلت الجولة الأولى من المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن في أن تفضي إلى حلول دائمة أو مؤقتة؛ ففي هذه المرحلة، ستضطر واشنطن إلى درجات أعلى من التنسيق مع الثلاثي الأوروبي بشأن تفاصيل أي توافق مع طهران، بما يعني ضمان الأخذ بالحسبان المصالح والهواجس الأوروبية. وإذا كانت “آلية الزناد” تقدم ضمانات لأوروبا بشأن استمرار دورها في الملف الخلافي الجاري مع إيران فإنها يمكن أن تستخدمها من أجل التوصل إلى صياغة محددة لأي توافق مع إيران تأخذ بالحسبان الهواجس الأوروبية، خصوصاً بشأن البرنامج الإيراني للصواريخ والمسيرات، بعد أن تحول إلى تهديد جوهري وملموس غداة انخراط طهران في دعم روسيا في حربها على أوكرانيا.

ويمكن الحديث عن تداعيات جوهرية أخرى تنجم عن “آلية الزناد”، منها: تخيير إيران بين الخضوع لموجة عقوبات هي الأوسع في تاريخ مجلس الأمن، وتتمتع بمظلة دولية، والعودة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة من جهة، أو الرضوخ إلى مفاوضات لا تقتصر هذه المرة على البرنامج النووي الذي يبدو أن الهجمات الأمريكية والإسرائيلية قد حيّدته أو أخّرته إلى أجل غير قريب.

تداعيات تفعيل آلية الزناد

يبدو الجانب الأوروبي مُضطراً إلى استخدام “آلية الزناد” في موعد لا يتجاوز نهاية أغسطس المقبل، قبل أن ينقضي أجل الآلية، وتفقد الأطراف الأوروبية آليتها للضغط على أطراف الاتفاق النووي. لكنّ تفعيل الآلية يعني إلغاء قرار 2231 الذي كان قد جمّد العمل بعدة قرارات سابقة صادرة عن مجلس الأمن، بما يعني العودة إلى عدة نقاط جوهرية:

  1. العودة بموجب القرار 1696 الصادر عن مجلس الأمن في يوليو 2006 والقرارات الصادرة بعده إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يقضي في بعض بنوده باحتمال اللجوء إلى القوة العسكرية للتصدي للتحديات؛ خصوصاً في حال قررت إيران الانسحاب عن معاهدة حظر الانتشار النووي.
  2. منع الأطراف الدولية بموجب القرار 1737 الصادر عن مجلس الأمن في ديسمبر 2006 عن التعاون مع إيران لتوفير البضائع التي تستخدم في البرنامج النووي أو البرنامج الإيراني لصنع الصواريخ والأسلحة، والتمهيد لحجز الأرصدة المالية الإيرانية في البلدان الأخرى، ووقف التعاون العلمي مع المؤسسات الإيرانية.
  3. وضع حدود بموجب القرار 1747 الصادر عن مجلس الأمن في مارس 2007 على تجارة الأسلحة مع إيران، بما يتضمن المركبات الحربية، والدبابات، والمدفعيات الثقيلة، والطائرات العمودية، والسفن الحربية، والصواريخ، وأنظمة الدفاع الصاروخي.
  4. توخّي الحذر بموجب القرار 1803 الصادر عن مجلس الأمن في مارس 2008 بشأن التعاون مع المؤسسات المصرفية الإيرانية في مجالات: البنوك، والتأمين، والتمويل الدولي. وتفتيش كل البضائع من وإلى الموانئ والمطارات الإيرانية، وفرض عقوبات على عدة أشخاص، ومؤسسات إيرانية.
  5. منع الأطراف الدولية بموجب القرار 1929 الصادر عن مجلس الأمن في يونيو 2009 عن تجارة الأسلحة مع إيران، بما يتضمن المركبات الحربية، والدبابات، والطائرات، والصواريخ، والمدفعيات الثقيلة، والطائرات العمودية، وأنظمة الدفاع الصاروخي، أو تقديم قطع غيارها إلى إيران. ومنع إيران من تطوير أية برامج للصواريخ الباليستية؛ وتفتيش كل البضائع من وإلى إيران في الموانئ والمطارات، وتفتيش القطع البحرية الإيرانية في البحار؛ وفرض عقوبات على الملاحة البحرية الإيرانية بما يتضمن منع تقديم أية خدمات إلى السفن الإيرانية، بما فيها توفير الوقود، والدعم اللوجستي. ووضع عقوبات ملزمة على الأشخاص والمؤسسات التي يعتقد أنهم منخرطون في دعم البرامج الإيرانية في المجال النووي وفي مجال السلاح؛ ووضع حدود على التبادل التجاري مع الشركات المرتبطة بـ “الحرس الثوري” أو بـ “الشركة الإيرانية للملاحة”؛ ومنع إنشاء أية فروع للبنوك الإيرانية في البلدان الأخرى، ووضع حدود كبيرة على مشاريع الاستثمار المشترك. ووضع حدود كبيرة على التعامل التجاري والمالي مع كل الأشخاص الذين يشتبه في انخراطهم في البرامج الإيرانية للطاقة النووية والأسلحة. ووضع عقوبات على نحو 40 جهة تجارية تابعة للحرس الثوري أو للحكومة الإيرانية.

وبهذا المعنى، تعني “آلية الزناد” فرض عقوبات كبيرة على القطاعات المصرفية الإيرانية، وقطاع الملاحة البحرية والجوية إلى جانب وضع حدود قوية على مشاريع الاستثمار المشتركة، ووضع قيود كبيرة على تقديم الخدمات المصرفية، واللوجستية للمواطنين الإيرانيين. وكل ذلك يجب أن يضاف إلى سلة العقوبات التي وضعتها الأطراف الأوروبية طيلة الأعوام الفائتة، وسلة العقوبات التي وضعتها الولايات المتحدة سواء قبل انسحابها من الاتفاق النووي في مايو 2018، أو بعد ذلك.

وعلى الجانب الإيراني فإن تفعيل “آلية الزناد” يمكن أن يؤدي إلى سلسلة من الخطوات التصعيدية الإيرانية، تخرج الملف النووي الإيراني من سياقه التقليدي. وإذا كانت المعطيات تشير إلى أن الهجمات الجوية الأمريكية قد أحدثت أضراراً بالغة في البرنامج النووي الإيراني، بما يعني انخفاض احتمال استمرار التزود بالكميات اللازمة من اليورانيوم المخصب لصنع القنابل النووية فإن إيران ستلجأ على الأغلب إلى خطوات لا تقلّ أهمية عن ذلك، ومن ضمنها: الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وطرد المفتشين الدوليين كافة. كما أنّ نحو 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% والذي لا يعرف مصيره، قد يمكن إيران من دخول اللحظة النووية، وصنع عدة رؤوس نووية في تطوُّرٍ مُباغتٍ محتملٍ على المستوى النظري على الأقلّ.

احتمالات تفعيل آلية الزناد

مع كل حجمها وأهميتها، لا تبدو العقوبات الدولية التي وضعتها القرارات الستة الصادرة عن مجلس الأمن ذات تأثير كبير، بالمقارنة مع حجم العقوبات الأمريكية الموضوعة في خلال الأعوام السبعة الفائتة. ومع ذلك، فإن اللجوء إلى خيار تفعيل “آلية الزناد” يظل مهمّاً وجوهريّاً لأنه لا يعني عودة العقوبات الدولية من طريق إعادة تفعيل القرارات الدولية التي ألغاها القرار 2231، بمقدار ما يعني إعادة الملف النووي الإيراني إلى نقطة صفر مختلفة جوهريّاً عمّا جرّبه الملف حتى الآن.

وبينما تبدو الأطراف الأوروبية مضطرة إلى استخدام ورقة تفعيل “آلية الزناد” تفادياً لانتهاء المهلة القانونية لاستخدامها، فإن احتمال لجوء إيران إلى بعض الخطوات التصعيدية المضادّة يضع عقبات واضحة أمام حرية العمل الأوروبية لتفعيل هذه الآلية. ويجعل المنطق السياسي خيار التوصل إلى حلول تبقي الآلية بيد الأوروبيين لمدة أطول غير مستبعد؛ إذ يفضل الجانب الأوروبي أن يمتلك “آلية الزناد” للضغط على موقف الأطراف لضمان مصالحه، على استخدامها بما يتضمن احتمال خروج الأمور عن السيطرة. ومع ذلك، فإنّ المشهد سيكون منكشفاً على كلا الاحتمالين:

الاحتمال الأول: لجوء الأطراف الأوروبية إلى تفعيل “آلية الزناد”؛ وهو خيار اللحظة الأخيرة، حيث لا تريد الأطراف الأوروبية اللجوء إليه إلا من باب الاضطرار. وفي حال اضطرت إلى ذلك فإن أمامها مهلة لا تتجاوز نهاية أغسطس قبل أن ينقضي أجل الآلية وتخرج أوروبا من لعبة المؤثرين في المفاوضات النووية وتتقلص فرص تأثيرها المباشر على صياغة أي اتفاق مع إيران. وفي حال تفعيل الآلية فإن ذلك يعني انهيار الاتفاق النووي بشكله الراهن دون الدخول إلى زمن “التوافق الجديد”. وفي حين يعني ذلك زيادة احتمال لجوء إيران إلى صنع الأسلحة النووية، فإن الواقع الجديد الذي خلفته الهجمات الأمريكية يقلص احتمالات ذلك واضعاً خيارات التصعيد الإيرانية ضمن سياق لا يتجاوز الانسحاب من معاهدة الحظر مقابل رضوخها لموجات غير مسبوقة من العقوبات.

الاحتمال الثاني: تمديد مهلة تفعيل “آلية الزناد”؛ ويفترض هذا الاحتمال أن يؤدي الواقع الجديد إلى انخراط إيران في جولة جديدة من المفاوضات، على ألّا تكون الجولة الجديدة مُقتصرةً على البرنامج النووي الذي حُيِّدَ إلى حد كبير بفعل الهجمات الأمريكية/الإسرائيلية. ويعني هذا السيناريو الذي يتناسب إلى حد كبير مع فلسفة “آلية الزناد” باعتبارها ورقة ضغط على الموقف الإيراني، أن تتوصل الأطراف إلى قرار يقضي بتمديد مهلة صلاحية اللجوء لآلية الزناد في سياق أوسع هو سياق تمديد صلاحية الاتفاق لعدة أشهر على الأقل مقابل انخراط إيران في مسار مفاوضاتٍ لا تتضمن المشروع النووي فحسب، وإنما تتضمن ملفات أخرى منها: برنامج الصواريخ والمسيرات والمشروع الإقليمي. ويمنح هذا الاحتمال الثلاثي الأوروبي فرصة لاستمرار تأثيرهم على الملف الإيراني، وعلى صياغة أي توافق مع طهران بما يتضمن مصالحهم، ويراعي هواجسهم، كما يمنح إيران مهلةً للتخلص من شبح عودة العقوبات الدولية حتى إشعار آخر، من دون أن يعني ذلك فلتانها من آليات الضغط الدولية. وعلى الرغم من أن إيران رفضت سابقاً، وضع ملفات أخرى على طاولة المفاوضات فإن مواقفها الأخيرة تُظهِرُ أنها بدأت تلمحُ إلى ذلك، شريطة تحقُّق بعض الشروط.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
مركز الإمارات للسياسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 + 15 =

زر الذهاب إلى الأعلى