من الصحافة الإيرانية: نووية أم سياسية؟ كواليس الضغوط الأوروبية على طهران
إن تفعيل آلية الزناد قد يعني نهاية الدور الأوروبي في الملف النووي الإيراني واندفاع الأزمة نحو مزيد من التصعيد الإقليمي.

ميدل ايست نيوز: صاغت الترويكا الأوروبية رسالة رسمية في مجلس الأمن بتاريخ 8 أغسطس 2025، ووجّهتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس الدورة الحالية لمجلس الأمن، ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وجميع أعضاء المجلس. ونُشرت الرسالة يوم الخميس.
وقالت صحيفة شرق في تقرير لها، إن التهديد المتكرر من الدول الثلاث (فرنسا، ألمانيا وبريطانيا) بتفعيل آلية الزناد في حال عدم التوصل إلى حل دبلوماسي حتى نهاية أغسطس الجاري، يعكس ازدواجية في نهجها السياسي. فبينما تصفه على أنه أداة لإحياء الدبلوماسية، يبدو أنه في جوهره وسيلة لزيادة الضغط السياسي على إيران. وتستند أوروبا في ذلك إلى ما تعتبره خرقًا إيرانيًا للاتفاق النووي، لكنها في المقابل لم تلتزم بتعهداتها الاقتصادية ضمن الاتفاق، مثل تفعيل آلية “إنستكس”، ما يجعل موقفها، من وجهة النظر الإيرانية، فاقدًا للشرعية.
هذا التوجه الأوروبي يمكن فهمه في سياق التنسيق مع السياسات الأميركية والضغوط الإسرائيلية. فبعد الحرب التي استمرت 12 يومًا بين إيران وإسرائيل، والتي كانت أوروبا قبلها أكثر ميلًا للحفاظ على الاتفاق النووي، اتجهت الآن نحو تشديد الضغط. ويُرجّح أن هذا التحول ناجم عن تصوّر ضعف إيران وضغط اللوبيات المناهضة لها، ما يدفع أوروبا لاستخدام آلية الزناد كأداة للحصول على تنازلات تتجاوز الملف النووي، لتشمل برنامج الصواريخ أو النفوذ الإقليمي. غير أن هذه الاستراتيجية تحمل مخاطر واضحة، إذ قد يؤدي تفعيل الآلية إلى انهيار كامل للاتفاق النووي وتفاقم التوترات الإقليمية، دون ضمان تحقيق أهداف أوروبا في تقييد إيران.
الرد الإيراني.. من استراتيجية الغموض إلى المرونة الدبلوماسية
في المقابل، تبنّت طهران مزيجًا من الحزم والمرونة الدبلوماسية في الرد على التهديدات. فقد اعتبر وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الخطوة الأوروبية بمثابة نهاية دور أوروبا في الملف النووي، مؤكدًا أن إيران لن تتراجع عن حقها في التخصيب. هذا الموقف يعكس استراتيجية تقوم على الإبقاء على “غموض نووي” يمنح إيران مساحة للمناورة ويتيح لها تحويل الضغوط الخارجية إلى رافعة لتعزيز قدرتها الردعية، خصوصًا بعد الهجمات الأخيرة التي استهدفت منشآتها النووية.
ومع ذلك، فإن رفض إيران تمديد المهلة التي حددتها أوروبا يثير تساؤلات حول استراتيجيتها بعيدة المدى. فهي من جهة ترى أن الأوروبيين فقدوا صلاحية تفعيل الآلية بسبب خرقهم للاتفاق، ومن جهة أخرى قد يُفهم موقفها على أنه رفض لأي تفاوض جاد أو صعوبة في التوصل إلى توافق داخلي بشأن التسوية. تحاول طهران إدارة الوقت عبر تعاون محدود مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والحفاظ على قنواتها الدبلوماسية مع روسيا والصين، غير أن استمرار هذا النهج دون تقدم ملموس قد يؤدي إلى مزيد من العزلة وعودة العقوبات الشاملة لمجلس الأمن، التي قال مسؤول إيراني إنها قد تهدد بقاء النظام نفسه.
العواقب والسيناريوهات المستقبلية: توازن أم تصعيد؟
أما من حيث التداعيات، فإن تفعيل آلية الزناد قد يعيد العمل بعقوبات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 1929، بما يشمل قيودًا نووية وعقوبات اقتصادية وعسكرية وصاروخية. وهو ما قد يزيد الضغوط على الاقتصاد الإيراني المثقل أصلًا بالعقوبات الأميركية الثانوية، عبر خفض صادرات النفط وتضييق العزلة المالية. لكن بعض التقديرات ترى أن الأثر سيكون معنويًا أكثر منه مدمرًا، بحكم أن إيران تتعامل أصلًا مع أقسى العقوبات الأميركية وتكيّفت جزئيًا معها.
إقليميًا، قد يرفع هذا التطور منسوب التوتر إلى مستويات خطيرة، خصوصًا مع اتهامات إسرائيل بتراجع قدرات الدفاع الجوي الإيراني ورغبتها في استغلال الظرف الراهن. في المقابل، أرسلت طهران إشارات مضادة عبر التلويح بالانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية أو رفع نسبة التخصيب إلى 90%، ما قد يفتح الباب أمام مواجهات غير قابلة للسيطرة، ستنعكس كلفتها على إيران وأوروبا والمنطقة برمّتها.
ولتفادي هذا السيناريو، قد تلجأ إيران إلى تفعيل دبلوماسيتها مع الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن وتعزيز تحالفها مع روسيا والصين لعرقلة أي إجماع على عودة العقوبات. كما أن طرح اتفاق مؤقت بامتيازات محدودة وقابلة للرجوع، على غرار تعليق التخصيب الطوعي عام 2003، قد يكون وسيلة لكسب الوقت والحفاظ على مسار التفاوض. لكن نجاح هذا الخيار يبقى مرهونًا بقدرة طهران على تحقيق توازن بين تمسّكها بالثوابت وإظهار مرونة تكتيكية. وفي حال فشل ذلك، فإن تفعيل آلية الزناد قد يعني نهاية الدور الأوروبي في الملف النووي الإيراني واندفاع الأزمة نحو مزيد من التصعيد الإقليمي.



